للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا ما وقفت عليه مما يمكن الاحتجاج به لقول من يقول بوجوب الوقوف عند من وصفهم الأئمة بالتدليس، وعدم رمي من عداهم بذلك، وإن جاءتنا عنه رواية فيها صورة التدليس.

ولا شك أنه قول قوي جداً، به يتبين مدى خطورة المبالغة في جمع أسماء المدلسين التي سلكها بعض من ألف في هذا الموضوع، حتى وصل عددهم عند بعض الباحثين إلى ما يزيد على مائتين وثلاثين راوياً، كما تقدم آنفاً، وكثير منهم لم يصفه أحد من الأئمة بالتدليس، وإنما أُخذ ذلك من روايات جاءت عنهم فيها صورة ذلك، حتى أن بعض الباحثين ذكر أئمة أعلاماً مشهورين، لو عرفوا بالتدليس لاشتهر ذلك، ولنوه به الأئمة، فذكر مثل سعيد بن المسيب، والشعبي، والأوزاعي.

مع ذلك فلابد من تأكيد أمر مهم هنا، وهو أنه لا ينبغي حين البحث عن وصف الأئمة لراوٍ بالتدليس الجمود على هذه الكلمة وما اشتق منها، فإذا كان في كلام الأئمة ما يفيد ارتكابه للتدليس كفى لوصفه به، فهنا يقال: ليست العبرة بالألفاظ، وإنما العبرة بالمعاني.

مثال ذلك قول أحمد في مغيرة بن مقسم: "كان صاحب سنة، ذكياً حافظاً، وعامة حديثه عن إبراهيم مدخول، عامة ما روى عن إبراهيم إنما سمعه من حماد، ومن يزيد بن الوليد، والحارث العكلي، وعن عبيدة، وغيره، وجعل يضعف حديث مغيرة عن إبراهيم وحده" (١).


(١) "العلل ومعرفة الرجال" ١: ٢٠٧، و"الجرح والتعديل" ٧: ٢٢٩.

<<  <   >  >>