تحرر في المبحث السابق أن التدليس عند جمهور أئمة النقد هو تحديث الراوي عمن عاصره ولم يسمع منه، أو تحديثه عمن سمع منه بشيء لم يسمعه منه.
ومن الملاحظ أن جماعة من الرواة وقع منهم مثل هذا فأطلق عليهم الأئمة المتقدمون وصف التدليس، وفي المقابل جاءت صورة التدليس عن رواة آخرين ولم يوقف على وصف لهم بذلك من أحد الأئمة، والسؤال هو: هل يصح للمتأخر إذا وقف على راوٍ ورد عنه ارتكاب صورة التدليس وصفه بذلك، وإن لم يفعله المتقدمون؟
فإن كان الجواب بالإيجاب فلا شك أن الغرض منه هو أن يأخذ هذا الراوي حكم المدلسين، وإن كان الجواب بالنفي فهل المقصود منع إطلاق التسمية فقط، مع أخذ الراوي حكم المدلسين، أو المنع منهما جميعاً؟
ظاهر صنيع جماعة من الأئمة المتأخرين يدل على أنهم يذهبون إلى أن العبرة
بورود صورة التدليس عن الراوي، وإن لم يوصف بذلك من أحد ممن تقدم،
فقد أطلقوا هذا الوصف على جماعة من الرواة غير مسبوقين بذلك، فمثلاً
وصف ابن الجوزي بشير بن زاذان بالتدليس (١)، وكذا وصف الذهبي أبا قلابة