للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن ما حكم الأئمة عليه بعبارة جازمة كقولهم: لم يلق فلاناً، أو لم يسمع منه، أو هو مرسل، أو منقطع فإنه خارج عن موضع الخلاف، وأنه مما لا يمكن فيه سماع الراوي ممن روى عنه، ولذا عبروا بالعبارات التي تفيد الجزم واليقين، وعكسه كذلك، ما عبروا فيه بالعبارات غير الجازمة فالسماع فيه ممكن، وغير خافٍ أن طرد هذا بعيد جداً، يدل عليه أنهم يقولون العبارات غير الجازمة مع المدلسين، ومع المجاهيل الذين لم تعلم معاصرتهم لمن رووا عنه أصلاً، فهل يقال إن أحكامهم هذه أيضاً لا تفيد الانقطاع؟

ولو سلم بهذا الفرق - ولا يسلم به - فغاية ما فيه أنهم أرادوا أن تحمل عباراتهم دليل الانقطاع، إذ قد يكون الدليل هو ثبوت عدم السماع، وقد يكون عدم ثبوت السماع، وكله انقطاع.

المسألة الثانية: رأيت كثيراً من الباحثين في كلامهم النظري، وفي أحكامهم التطبيقية حين النظر في إسناد ما، يأسرهم في تعاملهم مع قضية الإسناد المعنعن بين متعاصرين لم يعلم اللقاء بينهما - استبعاد أن يكون الراوي قد أدرك من حياة من روى عنه قدراً كافياً للسماع منه، وهما جميعاً في بلد واحد، ثم لا يسمع منه، ولا يأخذ عنه، مع حرصهم المعروف على الرواية، وطلب العلم، ومع كون مدنهم في ذلك الوقت غير متسعة، وسكانها ليسوا بالكثرة التي يتصور معها عدم اللقاء بينهما.

فإذا قيل إن فلاناً أدرك من حياة من روى عنه ثلاثين سنة، ثم نفى بعض الأئمة سماعه منه، أو قال: لم يصح له سماع منه، كبر ذلك في عين الباحث، واستغربه، فتجد الباحث مقتنعاً بضرورة اشتراط العلم بالسماع، لكنه يتوقف كثيراً حين تمر به مثل هذه الحالة.

<<  <   >  >>