للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى يعلم الانقطاع في حديث بعينه.

القول الثالث: التفريق بين المقل من التدليس وبين المكثر منه، فالمقل روايته بصيغة محتملة للسماع وعدمه محمولة على الاتصال، والمكثر روايته محمولة على الانقطاع.

وهذا القول منقول صراحة عن ابن المديني، فيمكن نسبته إليه والنفس مطمئنة، في موضوع عسر فيه الوقوف على أقوال صريحة لغيره من أئمة الجرح والتعديل في عصر الرواية، فقد سأله يعقوب بن شيبة عن الرجل يدلس أيكون حجة فيما لم يقل: حدثنا؟ ـ فقال: "إذا كان الغالب عليه التدليس فلا، حتى يقول: حدثنا" (١).

ومراده بالغالب ـ فيما يظهر ـ أي كثر ذلك منه وعرف به، إذ يبعد أن يكون مراده ظاهر اللفظ؛ لأن معرفة ذلك تقتضي تمييز ما دلس فيه مما سمعه، ثم الموازنة، وإذا عرف ما دلَّس فيه انتهى الأمر، اللهم إلا أن يقال: إنه أمكن تمييز ما دلس فيه فكان هو الغالب على رواياته، وعنده فوق ذلك أشياء رواها بصيغة محتملة لم تتميز، وهذا بعيد جداً، فقد نقل عنه يعقوب بعد ذلك قوله: "والناس يحتاجون في صحيح حديث سفيان إلى يحيى القطان ـ يعني علي أن سفيان كان يدلس، وأن القطان كان يوقفه على ما سمع وما لم يسمع ـ " (٢).

ولا يقول أحد إن رواية سفيان الثوري أكثرها مدلسة، بل قد قيل: إنه من


(١) "الكفاية" ص ٣٦٢، و"التمهيد" ١: ١٨.
(٢) "الكفاية" ص ٣٦٢، و"التمهيد" ١: ١٨.

<<  <   >  >>