الأمر الرابع: نظراً لتصحيح كثير ممن ألف في "مصطلح الحديث" هذا القول، ونسبته إلى جمهور الأئمة، وسهولة تطبيقه لاطراده ـ فقد سار عليه جماعة كثيرون جداً من الأئمة المتأخرين والباحثين المعاصرين، فكثر نقد الأحاديث وتضعيفها بعنعنة المدلسين، وصاحب ذلك ما تقدم ذكره في المبحث الثاني من التوسع في جمع من وصف بالتدليس، أو جاءت عنه رواية فيها صورة التدليس وإن لم يوصف بذلك، والاعتماد على كتاب ابن حجر "تعريف أهل التقديس"، مع قصور واضح في البحث عن دلائل ثبوت سماع المدلس لهذا الحديث، أو ثبوت عدم سماعه.
وترتب على هذا الصنيع شيئان، أحدهما: أن بعض الباحثين تحرج من كثرة تضعيف الأحاديث بعنعنة المدلسين، فصاروا يتمسكون بأدنى رواية فيها تصريح المدلس بالتحديث، دون دراسة لها والتحقق من ثبوتها، كما تقدم شرح ذلك في المبحث الرابع.
والثاني: ردة فعل قوية من باحثين آخرين، ينادون بضرورة مراجعة ما يسير عليه المتأخرون من قواعد في نقد السنة، ومن ذلك قواعد التدليس، لكن بعضهم سارع إلى الجزم بآراء بعضها قريب، مثل وجوب الاقتصار في وصف الراوي بالتدليس على من وصفه أئمة النقد بذلك، دون من جاءت عنه صورة التدليس ولم يوصف به، وبعضها يحتاج إلى مزيد بحث ودراسة، مثل ما نسبه بعضهم إلى أئمة النقد أن من وصف بالتدليس وأريد به روايته عمن عاصره ولم يسمع منه فإن ما رواه عن شيوخه الذين سمع منهم محكوم له بالاتصال وإن رواه بصيغة محتملة لعدم السماع، ومثله ما تقدم ذكره آنفاً في القول الأول من أن بعض الباحثين نسب إلى أئمة النقد أن رواية المدلس محمولة على السماع أبداً،