أيضاً، كما في ترجمة الحسن البصري، وقتادة، وغيرهما، مع أنهم - بالاتفاق - لا يثبت لهم السماع إلا بالعلم به، ولم يكتف النقاد بأن يقولوا في حقهم: لم يرد التصريح بالتحديث.
ثم إن الوجه الثاني هذا يمكن دفعه من أصله، وذلك بقلب السؤال، فيقال: نرى الأئمة حين يريدون إثبات السماع ينصون أحياناً على العلم به، فيقولون مثلاً: يقول في حديثه: سمعت، أو يقول: حدثنا، فلو كان مجرد إمكان اللقي كافياً لكان الناقد يكتفي به، فيثبت سماعه معتمداً عليه، مع عدم وجود ما ينفيه.
فإن قيل في الجواب: إنما ينص الناقد على العلم بالسماع حين يحتاج إلى ذلك، مثل وجود قرينة على عدم السماع، ثم له أن يفعله وإن لم يوجد ذلك، إذ بالاتفاق أن العلم بالسماع أقوى من مجرد الحكم به اعتماداً على إمكان اللقي، وعدم المعارض، وهذا الجواب هو ما نجيب به على الوجه الثاني هذا، وهو أنه يستخدم القرينة للنفي - وإن لم يحكم بالسماع إذا عدمت - لأن النفي مع وجودها أقوى وآكد، ثم قد يحتاج إليها لدفع دليل على السماع لم يره صحيحاً، كالتصريح خطأ بالتحديث.
الوجه الثالث: جاء عن النقاد نصوص كثيرة فيها إثبات السماع بالقرائن، لا ذكر للتصريح بالتحديث فيها، وهذا يدل على أن التصريح بالتحديث دليل من الأدلة، وليس الاعتماد عليه وحده، وذلك كأن يسأل الإمام عن سماع شخص من آخر، فيجيب بأنه قد أدركه، أو بأنه قديم يمكنه السماع منه، أو يذكر أن من هو أصغر منه قد سمع منه، أو يذكر أن المسؤول عنه قد سمع من شخص مات قبل من روى عنه في السؤال، ونحو ذلك.