ولا شك أن العبرة بما سار عليه أئمة الحديث دون غيرهم، وما على الباحث إذا حقق ما ذهبوا إليه سوى شرحه وتفصيله، والتنبيه على بعض جزئياته التي تحتاج إلى ذلك، وفي مسألتنا هذه ثلاثة أمور تحتاج إلى تنبيه:
الأمر الأول: كون التدليس غير مؤثر في عدالة الراوي وفي قبول روايته إذا صرح بالتحديث ليس معناه أنه لا تأثير للتدليس مطلقاً على روايات الراوي بصفة عامة، فالتدليس له تأثير وأي تأثير، وتختلف درجته بحسب إكثار الراوي من التدليس وإقلاله منه، وبحسب نوع التدليس الذي يرتكبه، والرواة الذين يسقطهم، وأهم ذلك حفظ الراوي وضبطه.
فلا تأثير للتدليس يذكر على من فعله من الأئمة الحفاظ الأثبات، كالأعمش، وهشيم، وابن جريج إذا صرحوا بالتحديث.
وفي مقابلهم جماعة من الرواة في حفظهم شيء في الأصل، ثم ارتكبوا التدليس بكثرة، وقد يصاحب ذلك الإكثار من التدليس عن الضعفاء والمجاهيل، فعاد هذا على جملة رواياتهم بالضعف، وإن صرحوا بالتحديث، إذ يخشى أن يكون ما يصرح به بالتحديث ـ بسبب ضعف حفظه ـ مما لم يسمعه أصلاً، فاشتبه عليه، أو لُقِّن إياه.
ويمثل لذلك بيحيى بن أبي حية أبي جناب الكلبي، قال فيه يزيد بن هارون:"كان صدوقاً، ولكن كان يدلس"(١)، وقال أيضاً: "كان أبوجناب