ذكر عدد من الباحثين أسانيد من "صحيح البخاري" أخرجها مع أن السماع بين بعض رواتها لم يعلم، أي لم يرد السماع، أو ورد لكنه لا يثبت، ورأيت بعضهم يستدل بها على أن البخاري لا يشترط العلم بالسماع، وإنما يكتفي بالقرائن، ويستدل بها بعضهم على أن البخاري وإن كان يشترط العلم بالسماع، إلا أنه ربما اكتفى بالقرائن في بعض الأحوال، وذلك حين تقوى القرائن جداً على إثبات السماع.
ولا أتردد لحظة واحدة في القول بأن هذا الاستدلال غير صحيح، وأن هؤلاء الباحثين - ومثلهم كثير - لم يتضح في أذهانهم أن شروط الحديث الصحيح بابها واحد، فالناقد ربما نزل عن شرط من شروط الصحيح لسبب يراه، مع علمه بتخلف هذا الشرط.
وهذا الأمر مشهور متداول عند الأئمة والباحثين في الشرطين المتعلقين بالرواة، وهما العدالة والضبط، فصاحب الصحيح قد يخرج لأناس ليسوا على شرط الصحيح، يخرج لهم مقرونين بغيرهم، وفي المتابعات والشواهد، وفي المعلقات، بل قد يسوق أسانيد فيها من ليس على شرط الصحيح دون قصد التخريج له، وقد مضى شرح هذا في "الجرح والتعديل"، في الفصل الثاني منه.
وأما الشروط الثلاثة الباقية - وهي الاتصال، وعدم الشذوذ، وعدم العلة - فالكلام في إيضاح موقف النقاد منها في الأحوال الخاصة قليل جداً، ولهذا يظن بعض الباحثين أن كل ما في "الصحيحين" في شرط الاتصال - مثلاً