للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كذا قال، ولمخالفه أن يقول: ولو كان أبو زرعة يكتفي بالمعاصرة وإمكان اللقي لما تردد أيضاً، ولقال: نعم سمع منها، فليس في كلام أبي زرعة سوى تقريب السماع وهذا هو موضع المناقشة هنا، فإن المطلب بن عبد الله من أشهر الرواة رواية عمن لم يدركه، وعمن عاصره ولم يلقه، فلو قال قائل: إنه بالنظر إلى ما رواه منقطعاً وما رواه متصلاً هو أشهر من يروي المراسيل، ويحدث عمن لم يلقهم، لما كان قوله بعيداً، ولولا خوف الإطالة لنقلت نصوص النقاد فيه، فإذا كان مثل هذا الراوي يكتفى فيه بالمعاصرة، وإمكان اللقي، وبالقرائن، ولا يشترط أن يصرح بالتحديث انفلتت المسألة، ولم يعد لها زمام، فلابد من حمل كلام أبي زرعة على أنه تقريب للسماع لا إثبات له، ويحتمل على بعد أن يكون وقف على تصريح بالتحديث تردد فيه.

وإنما قلت: على بعد، لأن جمهور النقاد على أنه لا يثبت له سماع من أحد من الصحابة، سوى قوله: حدثني من شهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، نص عليه البخاري، والدارمي، بل نص أبو حاتم على أنه لم يدرك عائشة (١).

وفي ختام الكلام على هذه المسألة العويصة أنبه على مسائل:

المسألة الأولى: قال ابن القطان في كلام له على حديث من رواية مسروق، عن معاذ، ضعفه عبدالحق بأن مسروقاً لم يلق معاذاً، ولا ذكر من حدثه به - ما نصه: "فهما - أعني البخاري وابن المديني - إذا لم يعلما لقاء أحدهما للآخر لا يقولان في حديث أحدهما عن الآخر إنه منقطع، إنما يقولان: لم يثبت سماع


(١). " العلل الكبير " ٢: ٩٦٤، و " المراسيل " ص ٢٠٩، و "تهذيب التهذيب " ١٠: ١٧٨، و " التقريب " ص ٥٣٤.

<<  <   >  >>