وأما تعليلهم الأحاديث بتدليس المدلسين إذا لاحت قرينة في الإسناد أو المتن فأشهر من أن يذكر، وسيأتي شرح ذلك قريباً.
وهذا المنهج لهؤلاء الأئمة منهج وسط، يراعي الاحتياط للسنة بالنسبة للمكثرين والمقلين، أما المكثرون فمن جهة أن لا يدخل فيها ما ليس منها، ولا سيما أن أصل الرواية بصيغة محتملة ـ وإن لم يكن الراوي مدلساً ـ فيه كلام قديم لبعض الأئمة، فمنهم من كان يشترط في بادئ الأمر تصريح الجميع بالتحديث، كما تقدم شرح ذلك في المبحث الأول من الفصل الأول.
وأما المقلون فمن الجهة الأخرى، أي درء مفسدة ردّ أحاديثهم الصحيحة التي سمعوها بسبب تدليس نادر منهم، فهذه ـ بلا شك ـ مفسدة كبرى، لاحظها الأئمة حين فرقوا هذا التفريق.
وإذا ترجح هذا القول فإني أنبّه على عدد من الأمور، الغرض منها شرحه، ووضع ضوابط لكيفية تطبيقه بالنسبة للباحث، ذلك أن كثيراً من الخلل يأتي من طرد القول في حالات يعارضه فيها ما هو أخص منه، وهي خمسة أمور:
الأمر الأول: يشكل على هذا القول قضية التمييز بين المقلّ والمكثر من التدليس، وصعوبة وضع حد إذا بلغه المدلس ألحق بالمكثرين، إذ ليست المسألة مسألة عدد، وإنما يلاحظ فيها ما عند المدلس أصلاً من الحديث، وما ثبت عليه التدليس فيه، ولا شك أن هذا بالنسبة للباحث المتأخر عسر جداً، فالسبيل إذاً هو الرجوع إلى كلام أئمة الجرح والتعديل، فمتى توارد عدد منهم على وصف راوٍ بالتدليس عرفنا أنهم قصدوا شهرته بذلك لتطبق عليه أحكام المدلسين.
وللعلائي تصنيف للمدلسين باعتبار القلة والكثرة، وباعتبارات أخرى أيضاً، يحسن النظر فيه، فقد وضع خمس مراتب للمدلسين: