للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والخطأ الذي يقع فيه هؤلاء هو توحيد نمط الرواية والبحث عنها في جميع العصور، ففي أذهان كثير من الباحثين أن الرواة في العصور الأولى للرواية كان شأنهم كشأن الرواة في العصور اللاحقة، بعد اتساع الرواية، وانتشارها، وتميزها عن غيرها من الفنون، واعتناء الرواة بالرحلة، وبالعلو، والتبكير بالسماع، وغير ذلك، وليس الأمر كذلك قطعاً، وإنما كان الرواة ينقلون المرويات في العصور الأولى بصورة عفوية في الغالب، فالتلميذ هو المنشئ لنفسه، لا يبكر به أحد للسماع، كما صارت الحال فيما بعد، وعليه فلا يستغرب أن يكون طلبه للعلم أصلاً في وقت متأخر.

ثم قد يكون في طلبه للعلم قد اتجه أولاً إلى علوم أخرى، كاللغة، والأدب، وغيرهما.

وقد يلازم الراوي شيخاً له، ومن عداه فإنما يأخذ عنهم دون تقصد، مع كونهم في بلده، فربما أخذ عن بعضهم، ولم يأخذ عن البعض الآخر، فكيف بمن هم في البلدان الأخرى؟ .

ولترسيخ هذه النظرة المهمة جداً في التعامل مع هذه القضية يحسن بالقارئ أن يعود إلى ما تقدم نقله عن الأئمة في إثبات إدراك الراوي لمن روى عنه، لكنه لم يلقه، بل ربما يثبتون رؤيته له، أو دخوله عليه، وينفون أخذه عنه، ومن هذه النصوص ما هو عن الرواة أنفسهم.

وأذكر الآن شيئاً من هذه النصوص مما لم يتقدم ذكره، فقد روى أحمد بإسناده عن ابن عون قوله: "قد رأيت عطاء، وطاوساً" (١)، قال أحمد: "ولم


(١). "سؤالات أبي داود" ص ٢٤٠.

<<  <   >  >>