للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخوض في بعض الدقائق التي رأيت أن صرف النظر عن البحث فيها ضمن هذا المشروع هو الأنسب، إلا أنني مع ذلك آمل من القارئ الكريم - عطفاً على ما تقدم - أن يلتمس لي بعض العذر، إن وجد فيه مباحث أطلت فيها، أو كان تناولي لها بصفة حالت بين القارئ وفهمها.

كما آمل من القارئ الكريم أن يلتفت إلى نفسه أيضاً، فالبحث - أي بحث - لا شك أن المقصود به القارئ، وعليه أيضاً يقع جزء من التبعة في فهم واستيعاب ما يقرأ، وأعني بذلك أن الباحث مطالب بالاقتراب ما أمكن من القارئ، لكن لا يجوز له أبداً أن يهبط ويضعف في تناول جزئيات بحثه، إذ يقع على القارئ النصف الباقي من الطريق إلى نقطة الالتقاء، وعليه أن يبذل جهده في قطع هذا الجزء من الطريق، ليلتقي بالباحث الذي يقرأ له.

ولست أعني بما قلت أن القارئ لابد أن يوافق الباحث فيما وصل إليه، وإلا فقد أخلّ بمسؤولياته، فهذا لا يمكن لأحد أن يقر به، أو يقول به، وإن سلكه بعض الباحثين في بحوثهم، فتجده يأخذ بتلابيب القارئ، ويتهدده ويتوعده إن لم يوافقه على ما يقول، بل وصل الأمر ببعضهم إلى إقحام قضايا الابتداع ومخالفة أهل السنة في مسائل علمية بحتة.

وإنما الذي أعنيه أن يكون القارئ لديه ملكة يستطيع بها فهم القاعدة التي تقرر، والربط بينها وبين ما يساق لها من أدلة، أو ما يضرب لها من أمثلة، والمتن في التطابق بينهما، والتوقف فيما يوجب التوقف، والقدرة على المناقشة وتحرير موضعها، وحسن السؤال عن ذلك، فهذا هو المفترض في القارئ، ولا يتم ذلك كله إلا بالاستعداد النفسي، والقراءة المتأنية، بل وتكرار القراءة أحياناً، وتفريغ الذهن من المشاغل ما أمكن.

<<  <   >  >>