وقد يقول قائل: هذا يصلح دليلاً على نقيض قولك، إذ هو يدل على أن ما سكت عنه فقد حكم عليه بالاتصال، أما ما نبه عليه فلا إشكال فيه - فما الجواب عن هذا الإيراد؟
والجواب: أن المزي بعد أن يفرغ من سرد المذكورين في ترجمة الراوي يأخذ في ذكر ما قيل في الراوي، ومن ذلك أحكام الأئمة على سماعه من بعض من ذكرهم المزي وسكت عنهم، فينقل عنهم أو عن بعضهم نفي إدراكه، أو نفي سماعه، ويبعد جداً أن يكون اجتهاد المزي قد خالف الأئمة في كل من صنع بهم ما تقدم، فإنه كثير جداً، وكثير منه ظاهر الانقطاع، ولو افترضنا أن المزي خالف اجتهاده اجتهاد الأئمة فأقل الأحوال أن ينبه عند ذكر اسمه أن هناك من قال بأنه لم يدركه، أو لم يسمع منه، وهو لم يفعل ذلك.
فإن قال معترض: ما نقل المزي في سماعه ممن روى عنه كلاماً للأئمة ألحقناه بمن نص على ذلك عند ذكر اسمه، لكن ما لم ينقل في سماعه شيئاً لم لا نقول إنه حكم بالاتصال؟
والجواب: أن هذا يفعله بعض الباحثين، يجعل عدم اعتراض المزي على الرواية دليلاً على ثبوت السماع عنده، وهذا في رأيي غير سليم، ذلك أن عبارة ((روى عن)) و ((روى عنه)) لا تفيد سوى وجود الرواية، فيبقى ثبوتها، ويبقى ثبوت الاتصال، كما تقدم آنفاً، وحينئذٍ فتحميل المزي تبعة الحكم بالاتصال بمجرد أنه لم يعترض فيه بعد، فهو لم يدّع استيفاء أقوال الأئمة في إثبات السماع ونفيه، وإنما ذكر من ذلك نتفاً، وأضاف ابن حجر زيادات كثيرة، وترك ابن حجر أيضاً قدراً لا بأس به يجده الباحث هنا وهناك، وعليه فهذا ومن أثبت المزي الكلام فيه بابه واحد، لأن وقوف المزي على ما قيل في سماعه ممن