للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بذل الأئمة جهوداً كبيرة جداً في سبيل معرفة سماع الراوي ممن روى عنه، وسخروا من أجل ذلك جميع ما يلزمه من وسائل، من نظر في الطرق، وتتبع لسير الرواة، ورحلاتهم، وولادتهم ووفاتهم، وكيفية رواية الراوي عن شخص بعينه، إلى غير ذلك.

والباحث حين يجد في نفسه القدرة على الخوض فيما خاضوا فيه، وقد استعد لذلك بكثرة النظر والتأمل في صنيعهم وتطبيقاتهم، وتدرب هو أيضاً على ذلك - بإمكانه أن يسلك سبيلهم، فيوازن بين أقوالهم حين اختلافهم، ويرجح ما يراه راجحاً، وينظر في رواة لم يقف على كلام للأئمة في سماعهم ممن رووا عنه.

وغير خاف أن سماع راو ممن روى عنه مبني على إدراكه له، أي أن يكون ولد قبل وفاة من روى عنه، فهذا القدر لا يجادل فيه أحد، وهو أول ما يبدأ به الباحث، فمتى وجد أن الراوي ولد بعد وفاة من روى عنه حكم حينئذٍ بالانقطاع بينهما.

ويلتحق به ما إذا كان أدرك من عمره شيئاً يسيراً، كأن يكون ولد قبل وفاته بسنوات قليلة، فالحكم حينئذ هو الانقطاع بينهما.

وهذه الحالة هي التي يعبر عنها الأئمة بقولهم عن راو: لم يدرك فلاناً، فإذا قالوا ذلك فالغالب بأنهم يريدون أنه لم يعاصره، أو عاصره في جزءٍ يسيرٍ من حياته.

وما نراه من عناية الأئمة بتحديد ولادة الراوي ووفاته الغرض الأول منه هذا، أي معرفة من أدركه ومن لم يدركه.

وكثيراً ما يواجه الباحث صعوبة في معرفة إدراك الراوي لمن روى عنه، إما

<<  <   >  >>