لا يكون في دار الدنيا، فانظر إلى الجبل هل يستقر أمام نور الله العظيم إذا كشف حجابه، فلما كشف الله الحجاب نحو الجبل تحطم الجبل وخرّ موسى مغشيًا عليه، فلما أفاق التجأ إلى الله تعالى منزهًا ومسبحًا وتائبًا مسرعًا إليه سبحانه كأول المؤمنين. فقال الله له: يا موسى! إني اخترتك على أهل زمانك بالرسالة والتكليم فخذ هذا الوحي بقوة واشكر ربك على ما اختصك به، وهذه الألواح فيها من كل ما تحتاج إليه أنت وقومك من بيان الحق: في التوحيد والأحكام والمعاملات والمواعظ وغير ذلك، فاحمل الأمانة بقوة واؤْمُرْ قومك بالعمل بأحسن الأعمال وأعلى القربات واختيار سبيل المعالي دون سفساف الأمور، سترون في هذه الدنيا مصير من قبلكم وفي الآخرة منازل العصاة الآثمين. إن من عقوبات الله العظيمة أن يصرف قلوب المتكبرين على دينه وشرعه عن الحق حتى تصبح قلوبهم مفتونة لا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا، وإنما هي الشبهات تعمرها، والشهوات تحركها، إن المكذبين بآيات الله ولقائه قد بطلت أعمالهم، وخسروا أنفسهم، جزاء بما كانوا يصرون عليه من الكبر والتكذيب وبما كانوا يجترحون.
إخبارٌ من الله سبحانه عن قصور إيمان بعض بني إسرائيل، وقلة رسوخ دينهم ويقينهم بالله تعالى، حتى تجرأ بعض الجهلة منهم - بعد أن جاوزوا البحر وأراهم الله من عظيم قدرته وكبير سلطانه وجبروته - على سؤال موسى تقليد قوم - وقد مرّوا بهم - يعبدون أصنامًا على صور البقر. قيل: كانوا من الكنعانيين، وقيل: من لخم. قال ابن جريج:({عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ}: تماثيل بقر. فلما كان عجل السامري شبِّه لهم أنه من تلك البقر، فذلك كان أوّل شأن العجل:{قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}).
أخرج الإمام أحمد في المسند، بسند صحيح، عن أبي واقد الليثي قال: [خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل حنين، فمررنا بسدرة، فقلت: يا نبي الله، اجعل لنا هذه ذات أنواط، كما للكفار ذات أنواط. وكان الكفار ينوطون سلاحَهم بسدرة، ويعكفون حولهم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الله أكبر، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى:{اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} إنكم تركبون سَنَنَ من قبلكم] (١).
(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٥/ ٢١٨)، والترمذي (٢١٨٠)، والنسائي في "الكبرى" (١١١٨٥)، =