للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[منهج التفسير عند الراسخين من المفسرين وأئمة العلم من الصحابة والتابعين]

أما بعد: الحمد لله الذي تفضل على عباده فعرفهم غاية الخلق وطرق النجاة وسبل السلام، فبعث للناس رسلًا يبلغون عنه معنى الأمن في الدنيا والآخرة وزوّدهم لأجل ذلكَ بالحُجَج والبيان، ثم ختم فيهمَ سبحانه الرسالة والنبوة بإمام وقائد الأمم محمد عليهِ الصلاة والسلام، وجعل أمته أمة القيادة في الأرض والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتقود الأمم إلى شاطئ النجاة والأمان، وحفظ اللهُ قرآنهُ وعلومهُ وتفسيره وكذلك هدي نبيّهِ بقادة وعلماء من ذرية هذه الأمة وبأئمةٍ كرام، فكانوا سَيْفًا مسلطًا على أعداء الأمة المحاولين العبث بالدين والتطاول والادعاء في تأويله في كل زمان، فقد قال الله جل ثناؤه في سورة آل عمران: {الم (١) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (٤) إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: ١ - ٨].

فعَنْ ابن عباس رضي اللهُ عَنهُ قال: (أما الآيات المحكمات فهن الناسخات التي يعمل بهن، وأما المتشابهات فهن المنسوخات). وقيل: المحكم ما لم يحتمل من التأويل غير وجه واحد، والمتشابه ما احتمل من التأويل أوجهًا.

وقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} قال محمد بن جعفر بن الزبير: (أي ميل عن الهدى). وقال مجاهد: (أي شك). {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} قال ابن عباس: (فيحملون المحكم على المتشابه، والمتشابه على المحكم، ويلبِّسون فلبَّسَ الله عليهم). وقوله: {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} قال مجاهد: (الشبهات بها أهلكوا). {وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} ليناسب أهواءهم

<<  <  ج: ص:  >  >>