للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض المعاصرين ووجهوا الآية إلى الاكتشافات العلمية الحديثة، وظنوا أن الإنسان اخترق بها أقطار السماوات والأرض! ولا أدري إلى أين يخترقها؟ بل ما زال هو وعلومه التي فرح بها ضمن أقطار السماوات والأرض التي يحكمها الله عز وجل ويهيمن عليها.

وسبب هذا التجرؤ على التفسير الجهل بعلوم القرآن وبيانه ومنهج التأويل الذي ارتضاه الله لكتابه ومضى عليه نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعون لهم بإحسان.

والباحث في القرآن في سورة الرحمن يجد أن هذه الآية جزءٌ من سياق آيات تتحدث عن ما بعد الموت ومشهد الحشر وأهوال القيامة، فهي تبدأ من قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} إلى أن يقول سبحانه: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ}. فهو خطاب تحد من الله يعقبه قوله: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ}. وكأنه يقول لهم سبحانه وقد اجتمعوا إليه في أرض المحشر: اهربوا الآن إن استطعتم ولكن أين المفر: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ}. ثم قال: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ}. وقال: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٠) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٢) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: ٢٦ - ٤٥].

قال الحافظ ابن كثير عند تفسيره لقوله تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} قال: (أي لا تستطيعون هربًا من أمر اللهِ وقدره، بل هو محيط بكم، لا تقدرون على التخلص من حكمه، ولا النفوذ عن حكمه فيكم، أينما ذهبتم أُحيط بكم. وهذا في مقام المحشر، الملائكة مُحْدِقَةٌ بالخلائق، سبع صفوف من كل جانب، فلا يقدر أحد على الذهاب {إِلَّا بِسُلْطَانٍ} أي: إلا بأمر الله). وقال ابن عباس: (الشواظ هو لهب النار). وقال مجاهد: (النحاس: الصفر، يُذاب فيُصَبُّ على رؤوسهم). فيكون المعنى: لو ذهبتم هاربين يوم القيامة لردتكم الملائكة والزبانية بإرسال اللهب من النار والنحاس المُذاب عليكم لترجعوا، ولهذا قال: {فَلَا تَنْتَصِرَانِ}.

ثامنًا: التفسير باللغة العربية:

فالقرآن كلام عربي أنزلهُ الله بلغة العرب، فإن تعذر فهم كلمة أو آية وفق قواعد

<<  <  ج: ص:  >  >>