للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأرض بخمسين ألفَ سنة، وكان عرشه على الماء" (١)).

وقال ابن جرير: ({وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}، لنفاد علمه فيهم بأنهم يصيرون إليها بكفرهم بربهم).

قلت: فالكتابة في اللوح المحفوظ - فيما يخص ذلك - كتابة علم لا كتابة جبر، فإن الله سبحانه أعلم بأعمال عباده ومصيرهم قبل أن يخلقهم، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، ولو لم يعلم ذلك لما استحق اسم الخالق واسم العليم، وأن يوصف بعلام الغيوب، والآية ردّ على القدرية والجبرية ونسف لمنهاجهم وأصولهم. وقد حفل القرآن الكريم والسنة المطهرة بآفاق هذا المعنى:

أولًا - في التنزيل:

١ - قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سبأ: ٢, ٣].

٢ - وقال تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا} [النساء: ١٠٨]

٣ - وقال تعالى: {الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} [الروم: ١ - ٤].

ثانيًا - في كنوز السنة الصحيحة:

الحديث الأول: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن علي رضي الله عنه قال: [كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقعد وقَعَدْنا حوله ومعه مخْصَرةٌ (٢) فَنَكَّسَ، فجعل ينكتُ بِمخصرته، ثم قال: ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنّة والنار، وإلا وقد كتِبت شقيّةً أو سعيدةً. قال: فقال


(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (٢٦٥٣)، والترمذي في الجامع (٢١٥٦)، وأحمد في المسند (٢/ ١٦٩)، وابن حبان في صحيحه (٦١٣٨).
(٢) المخصرة: هي ما أخذه الإنسان بيده واختصره من عصا لطمة وعكاز لطيف ونحو ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>