للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (١٨٥) مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٨٦)}.

في هذه الآيات: تقرير الله تعالى لحقيقة امتلاء جهنم يوم القيامة من أقوام قد خُلقوا لها من الجن والإنس استحقّوها بعمى أبصارهم وقلوبهم وصمم آذانهم عن قبول استماع الحق، فهم في ذلك كالبهائم بل البهائم أحسن حالًا منهم في سرعة انتهائها وانقراضها يوم القيامة.

إن أسماء الله تعالى كلها حسنى فادعوه بأيها شئتم، واجتنبوا الذين يشركون في أسمائه وصفاته بتشبيه أو تعطيل أو انتقاص، فهم سيجزون على فساد منهاجهم ذلك سوء الجزاء. وفي مقابلهم فئة مؤمنة من أتباع الرسل صدقوا الله التنزيه والعبادة وأقاموا الدين الحق فهم موضع الصدارة والأسوة على مدار الأزمان، والذين كذبوا يستدرجهم الله بالنعم ويملي لهم ويؤخرهم إلى حين مجيء وقت عذابهم.

لقد كان أولى بهؤلاء المكذبين من العرب أن يتفكروا بما جاءهم به محمد - صلى الله عليه وسلم - من الحق والنور والصدق ليعلموا أنه ما به خبل ولا جنون، وإنما يحمل لهم الإنذار المبين. فهلّا نظروا في هذا الكون الفسيح نظر استدلال واعتبار، ثم تفكروا أنهم ربما قد قرب ميعاد هلاكهم أو رحيلهم، فماذا بعد هذا القرآن العظيم الذي أضاعوه من كتاب مبين. إنه من يضلل الله - انتقامًا منه - فلا هادي له، ويتركهم في غيهم وضلالهم يتخبطون، ثم يقبضهم على أسوأ حال والعياذ بالله رب العالمين.

فقوله: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}.

قال الحسن: (مما خلقنا).

وقال السدي: ({وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ}، يقول: خلقنا).

قال ابن كثير: (يقول تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا}، أي: خلقنا وجعلنا {لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}، أي: هيَّأناهم لها، وبعمل أهلها يعملون، فإنه تعالى لما أراد أن يخلُقَ الخلق علم ما هم عاملون قبل كونهم، فكتب ذلك عنده في كتاب قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. كما ورد في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عَمْرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله قَدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات

<<  <  ج: ص:  >  >>