للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمقصود عندئذ من قوله تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} أي: ندموا على ما فعلوا وصدر منهم. {وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا} حين عدلوا عن قصد السبيل في العبادة، فجأروا إلى ربهم عز وجل منيبين إليه تائبين: {قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} - أي: من الهالكين الذين خسروا التجارة في أعمالهم، وفقدوا الصفقة، وحبطت أعمالهم وما كانوا فائزين.

وقوله: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ}.

قال ابن عباس: ({وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا}، يقول: {أَسِفًا}، حزينًا، وقال في "الزخرف": {فَلَمَّا آسَفُونَا. . (٥٥) يقول: أغضبونا. و"الأسف" على وجهين: الغضب، والحزن). وقال الحسن: ({غَضْبَانَ أَسِفًا}: غضبان حزينًا). وقال أبو الدرداء: (والأسف: أشد الغضب).

وكان موسى - صلى الله عليه وسلم - قد رجع مغضبًا حزينًا لأن الله تعالى أخبره أنه فتن قومه، وأن السامري قَد أَضَلَّهُم. فقال لهم موسى: {بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي} أي: بئس الصنيع ما فعلتم، إذ رضيتم لأنفسكم عبادة العجل من دون الله تعالى. {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ}. قال القرطبي: (أي: سبقتموه. والعجلة: التقدم بالشيء قبل وقته، وهي مذمومة. والسرعة: عمل الشيء في أول أوقاته، وهي محمودة). وقيل: أي تعجّلتم سخط ربكم. وقيل: أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أَمْرٌ من ربكم. وقال ابن كثير: (يقول: استعجلتم مجيئي إليكم، وهو مقدر من الله تعالى).

وقوله: {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ}.

قال ابن عباس: (لما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفًا، فأخذ برأس أخيه يجرّه إليه، وألقى الألواح من الغضب).

أخرج الإمام أحمد في المسند بسند صحيح عن ابن عباس مرفوعًا: [ليس الخبر كالمعاينة. قال الله لموسى: إنَّ قومك صنعوا كذا وكذا، فلم يبال - وفي رواية: فلم يلق الألواح -، فلما عاين ألقى الألواح] (١).


(١) حسن صحيح. أخرجه أحمد في المسند (١/ ٢٧١)، وصححه ابن حبان (٦٢١٣)، (٦٢١٤)، ورواه الحاكم (٢/ ٣٢١) وقال: على شرطهما، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في "المجمع" (١/ ١٥٣): رجاله رجال الصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>