للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.

قال الزمخشري: (لما اعتذر إليه أخوه، وذكر له شماتة الأعداء قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي} ليرضيَ أخاه، ويظهرَ لأهل الشماتة رضاه عنه، فلا تتم لهم شماتتهم. واستغفر لنفسه مما فرط منه إلى أخيه، ولأخيه أن عسى فرَّط في حسن الخلافة، وطلب أن لا يتفرقا عن رحمته، ولا تزال منتظمة لهما في الدنيا والآخرة).

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}.

قال ابن كثير: (أما الغضب الذي نالَ بني إسرائيل في عبادة العجل، فهو أن الله تعالى - لَمْ يَقْبَل لهم توبةً، حتى قتل بعضُهم بعضًا، كما تقدم في سورة البقرة: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٥٤)}. وأما الذلة فأعقبهم ذلك ذلًا وصَغارًا في الحياة الدنيا. وقوله: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} نائلة لكل من افترى بدعة، فإن ذل البدعة ومخالفة الرسالة متصلة من قلبه على كتفيه، كما قال الحسن البصري: إنَّ ذلَّ البِدْعَةِ على أكتافهم، وإنْ هَمْلَجَت (١) بهم البَغَلاتُ، وطَقْطَقَتْ بهم البراذين).

وعند أبي قِلابَةَ الجَرْمِيِّ: (أنه قرأ هذه الآية: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}، قال: هي والله لكل مفتر إلى يوم القيامة). وقال سفيان بن عيينة: (كل صاحب بدعة ذليل).

وفي صحيح مسلم من حديث عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [من عَمِل عملًا ليس عليه أَمْرُنا فهو رَدٌّ] (٢). وفي لفظ: [من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ]. وفي سنن الدارمي بسند صحيح عن حسان بن عطية (٣) قال: (ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلَها ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة).

وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}.

أي: إنه تعالى يقبل توبة عباده من كل ذنب، حتى الكفر والشرك، ما لم يغرغر


(١) هملجت: سارت سيرًا حسنًا في سرعة.
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (١٧١٨) - كتاب الأقضية: باب نقض الأحكام الباطلة، وردّ محدثات الأمور، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٣) تابعي جليل - توفي سنة (١٣٠). وانظر كتابي: أصل الدين والإيمان (١/ ٢٦٩) - لتفصيل البحث.

<<  <  ج: ص:  >  >>