فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ. .} [النساء: ١٥٤]). قال:(فقال لهم موسى: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ}، يقول: من العمل بالكتاب، وإلا خرَّ عليكم الجبل فأهلككم! فقالوا: بل نأخذ ما آتانا الله بقوة، ثم نكثوا بعد ذلك).
يروي النسائي عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:(ثم سار بهم موسى - عليه السلام - متوجهًا نحو الأرض المقدسة، وأخذ الألواح بعدما سكت عنه الغضب، فأمرهم بالذي أمره الله تعالى أن يبلغهم من الوظائف، فثقلت عليهم، وأبوا أن يقروا بها حتى يَنْتُقَ الله الجبل فوقهم {كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ}، قال: رفعته الملائكة فوق رؤوسهم) - ذكره ابن كثير.
وقال الحسن البصري:(لما نظروا إلى الجبل خرَّ كلٌّ ساجدًا على حاجبه الأيسر، ونظر بعينه اليُمْنَى إلى الجبل، فرَقًا من أن يسقط عليه، فلذلك ليس في الأرض يهودي يسجد إلا على حاجبه الأيسر، يقولون: هذه السجدة التي رُفعت عنا بها العقوبة).
قلت: وأصل النتق في لغة العرب الزّعزعة والنقض، فقوله تعالى:{وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ} أي: زعزعناه فرفعناه حتى كان فوقهم، تهديدًا من الله بإسقاطه عليهم إن لم يأخذوا الدين بجد وقوة. وهذه آية عظيمة من بين الآيات الكثيرة التي امتحن الله بها بني إسرائيل، {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} - أي: عسى أن يردهم هذا عن بغيهم، وينيبوا إلى ربهم بتعظيم أوامره واجتناب نواهيه.
في هذه الآيات: يخبر الله تعالى عن الميثاق بينه وبين عباده، فقد استخرج سبحانه ذرية بني آدم من أصلابهم شاهدين على أنفسهم أمام أبيهم أن الله ربهم ومليكهم وأنه لا إله إلا هو، وذلك في نعمان - واد قرب عرفات - وقد نثرهم بين يدي أبيهم كالذر ثم كلمهم قبلًا، ألست بربكم قالوا بلى، وشهدوا له تعالى بالربوبية التي احتج بها عليهم للقيام بمقتضى الألوهية، وحذرهم من أمرين اثنين: الأول - هو ادعاء الغفلة