للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه السلام ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية قال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره، فاستخرج منه ذرية قال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون. فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله عز وجل إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال الجنة، فيدخل به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار، حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار، فيدخل به النار] (١).

ثم إنه سبحانه قد احتج بهذا الميثاق على أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة:

الحديث الرابع: أخرج البخاري ومسلم وأحمد عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [يقول الله لأهون أهل النار عذابًا يوم القيامة: يا ابن آدم! كيف وجدت مضجعك؟ فيقول: شر مضجع، فيقال له: لو كانت لك الدنيا وما فيها أكنت مفتديًا بها؟ فيقول: نعم، فيقول: كذبت، قد أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم (وفي رواية: ظهر آدم) أن لا تشرك بي شيئًا ولا أدخلك النار فأبيت إلا الشرك، فيؤمر به إلى النار] (٢).

وقد كان هذا الميثاق نورًا قذفه الله في حياة الإنسان بعد أن خلقه في ظلمة، فأضاء له سبحانه به طريق النجاة وعرفه سبل السلام، وحذره به من مغبة الاسترسال والمضي في الظلمة، وما يعقب ذلك من مصائب وأسقام وآلام، وبصره بذلك العهد نتيجة اتباع الشهوات وفتح نار الغرائز التي يمكن أن تدمره عبر الليالي والأيام، إن لم يوازن في مشيه وبنائه بين السمو بالروح والعقل، وبين حاجات الجسد والغرائز بشكل تمام.

ففي المسند وصحيح ابن حبان عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: [إن الله تعالى خلقَ خَلقه في ظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل] (٣).

قلت: والظلمة: هي ظلمة الطباع والجهل والأهواء والخضوع للغرائز والشهوات، والنور: هو نور الوحي ونور السنة، نور النبوة والرسالات، نور الفطرة والميثاق مع الله، الذي أخذه سبحانه على عباده بنعمان وهو واد إلى جنب عرفات.


(١) قال الألباني: صحيح لغيره إلا مسح الظهر فلم أجد له شاهدًا. تخريج الطحاوية - فقرة (٤٢).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٣٣٣٤)، وأخرجه مسلم (٢٨٠٥)، وأحمد (٣/ ١٢٧، ١٢٩).
(٣) حديث صحيح. أخرجه ابن حبان (١٨١٢)، وأحمد (٢/ ١٧٦، ١٩٧)، ونحوه الترمذي (٢/ ١٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>