للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول، قبل أن يموت بشهر: [تسألوني عن الساعة؟ وإنما عِلْمُها عند الله، وأُقْسِمُ بالله! ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مئةُ سنةٍ] (١).

وقوله: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} - فيه أقوال:

١ - قال ابن جريج: (قوله: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا}، قال: الهدى والضلالة، {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ}، قال: {أَعْلَمُ الْغَيْبَ}، متى أموت، لاستكثرت من العمل الصالح (٢).

٢ - قال ابن زيد: ({وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}، قال: لاجتنبت ما يكون من الشرّ واتَّقيتُه).

٣ - وقيل: ({وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ}، لأعددت للسنة المجدبة من المخصبة، ولعرفت الغلاء من الرُّخْص، واستعددت له في الرُّخص).

٤ - قال الضحاك - عن ابن عباس -: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} , أي: من المال. وفي رواية: لعلمت إذا اشتريت شيئًا ما أربح فيه، فلا أبيع شيئًا إلا ربحت فيه، {وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}، قال: ولا يصيبني الفقر).

قلت: والراجح القول الثاني والثالث والرابع، فهو يرجح على الأول في معناه، فكأن المعنى: لو كنت أعلم الغيب لحرصت على الإكثار من متاع الدنيا وخيراتها، وابتعدت عن آلامها ومطباتها ما استطعت. وأما في أمر الآخرة فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسبق الناس إليه، لا يفتر في عبادته ولا تضعف همته، وفي ذلك أحاديث:

الحديث الأول: أخرج البخاري في صحيحه عن علقمةَ: [قلت لعائشة رضي الله تعالى عنها: هَلْ كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَخْتَصُّ من الأيام شيئًا؟ قالت: لا، كان عَمَلُهُ


(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح - حديث رقم - (٢٥٣٨) - كتاب فضائل الصحابة، والترمذي في الجامع (٢٢٥٠)، وأحمد في المسند (٣/ ٣٢٢).
(٢) ذكره ابن جرير، واستبعده ابن كثير وقال: (وفيه نظر. لأن "عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ديمةً" - وفي رواية: "كان إذا عمل عملًا أثبته" فجميع عمله كان على منوال واحد، كأنه ينظر إلى الله - عز وجل - في جميع أحواله، اللهم إلا أن يكون المرادُ أن يرشدَ غيره إلى الاستعداد لذلك، والله أعلم).

<<  <  ج: ص:  >  >>