للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومفارقة الأهل والسكن والانسلاخ من المال والدنيا لأجل الدين والعقبى).

قلت: ولا تكرار مع الآية قبلها، لأن الأولى بيان لإيجاب التواصل بينهم، والثانية لبيان رفيع درجاتهم وعظيم شرفهم.

وقوله: {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}. أي: ثواب عظيم في الجنة، ونعيم مقيم لا تنغيص فيه ولا انقطاع.

وقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ}.

قال ابن كثير: (ثم ذكر أن الأتباع لهم في الدنيا على ما كانوا عليه من الإيمان والعمل الصالح، فهم معهم في الآخرة، كما قال: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ} [التوبة: ١٠٠] الآية. وقال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: ١٠]).

قلت: ويدخل في عموم هذه الآية كل من جاء بعدهم من المؤمنين على مدار القرون المتتابعة وسلك منهاجهم في الإيمان والعمل الصالح، فهو معهم يوم القيامة في الأجر والمنزلة والشرف بإذن الله تعالى.

وقد حفلت السنة الصحيحة بكنوز من الخير في آفاق هذا المعنى، في أحاديث:

الحديث الأول: أخرج ابن ماجه بسند صحيح عن البراء بن عازب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [من أحب الأنصار أحبه الله، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله] (١).

الحديث الثاني: أخرج البخاري ومسلم عن البراء بن عازب مرفوعًا: [الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله] (٢).

وفي الصحيح أيضًا: [المرء مع من أحب]. رواه البخاري من حديث ابن مسعود.

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:


(١) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجه في السنن (١/ ٧٠)، وانظر مسند أحمد (٢/ ٥٠١)، وسلسلة الأحاديث الصحيحة - حديث رقم - (٩٩١).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤/ ٢٢٣)، ومسلم (١/ ٦٠)، وأحمد (٤/ ٢٩٢)، وغيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>