للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّهُ بانقضاء المُحَرَّم من الأشهر الحرم يحاصر المشركون بالقتل أو الأسر أو منع التصرف ببلاد الإسلام، فإن رجعوا عن الشرك، وأخلصوا التوحيد لله والإقرار بالنبوة وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة خُلِّي سبيلهم والله غفور رحيم.

وإن طَلَبَ المشرك أمانًا يُمَكِّنُ مِنْ إِبلاغه عهد الله وإقامة حجة الله البالغة عليه أُعطِيَ ذلك، ويكون آمنًا مستمر الأمان حتى يرجع إلى بلاده وداره ومأمنه، فهو الخير لإبلاع دعوة الله إلى الناس في الأرض ليعلموا آفاق هذا الدين الحق عسى أن يكونوا يومًا قريبًا من أهله.

فإلى تفصيل ذلك:

لقد كان لغزوة تبوك أكبرُ الأثر في إظهار شوكة المسلمين وهيبة دولتهم، فقد ظهر للأمم أن هذه القوة التي يزداد نفوذُها وتتسع رقعتُها كلَّ يوم مستعدةٌ لتحدي الدنيا بأسرها، فدانت العرب جميعًا لسلطان الإسلام، وعلم المنافقون في المدينة وما حولها أن الدائرة ستكون عليهم إذا ما أظهروا أي محاولة مكر أو خداع، بعد أن خابت آمالهم التي كانوا عقدوها على دولة الرومان، إذ دفع القوم الجزية عن يد وهم صاغرون.

وفي ذي الحجة من السنة التاسعة للهجرة، بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر الصديق أميرًا على الحج.

قال ابن إسحاق: (ثم أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منصرفه من تبوك بقية شهر رمضان وشوّالًا وذا القعدة، ثم بعث أبا بكر أميرًا على الحج من سنة تسع، ليقيم للمسلمين حجَّهم، والناس من أهل الشرك على منازلهم من حَجِّهم، فخرج أبو بكر رضي الله عنه ومن معه من المسلمين) (١).

قال ابن سعد: (فخرج في ثلاث مئة رجل من المدينة، وبعث معه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعشرين بَدَنة، قَلَّدَها وأشعَرَها بيده، عليها ناجيةُ بن جُنْدب الأسلمي، وساق أبو بكر خمس بدنات) (٢).

ولكن ما إن خرج أبو بكر بالناس من المدينة إلا نزل جبريل عليه السلام بسورة


(١) انظر سيرة ابن هاشم (٢/ ٥٤٣)، وكتابي: السيرة النبوية - على منهج الوحيين - (٣/ ١٦٠٢).
(٢) انظر طبقات ابن سعد (٢/ ١٦٨)، والمرجع السابق - بحث (٨٢) - حج أبي بكر بالناس ٩ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>