للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} - إلى قوله -: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.

فوالله ما أنعمَ الله عليَّ مِنْ نعمةٍ قطُّ، بعد أنْ هداني للإسلام، أعظم في نفسي مِنْ صِدْقي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -, أن لا أكون كذبته فاهلك كما هلك الذين كذبوا، فإن الله قال للذين كذبوا - حين أنزل الوحيَ - شرَّ ما قال لأحد، فقال تبارك وتعالى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ} - إلى قوله -: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}.

قال كعب: وكنا تُخِلِّفْنَا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حلفوا له، فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا حتى قضى الله فيه، فبذلك قال الله: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}، وليس الذي ذكر الله مما خُلِّفْنا عن الغزو، إنما هو تخليفه إيانا، وإرجاؤه أمرنا، عَمَّن حلف له واعتذر إليه فقبل منه] (١).

قال عكرمة: ({وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} قال: خلفوا عن التوبة).

وقال مجاهد: (الذين أرجئوا).

وقال نافع: (قيل للثلاثة الذين خلِّفُوا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}، محمد وأصحابه).

وقال الضحاك: ({وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}، قال: مع أبي بكر وعمر وأصحابهما رحمةُ الله عليهم).

وقال ابن جُريج: (مع المهاجرين الصادقين).

قال ابن القيم: (وتأمل تكرِيرَه سبحانه توبتَهُ عليهم مرتين في أول الآية وآخرِها، فإنه تاب عليهم أولًا بتوفيقهم للتوبة، فلما تابوا، تاب عليهم ثانية بقبولها منهم، وهو الذي وفقهم لفعلها، وتفضل عليهم بقبولها، فالخير كله منه وبه، وله وفي يديه، يعطيه من يشاءُ إحسانًا وفضلًا، ويحرمه من يشاء حكمة وعدلًا) (٢).


(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٤١٨) - كتاب المغازي -، وأخرجه مسلم في صحيحه، حديث رقم (٢٧٦٩) - كتاب التوبة -، وأخرجه أحمد في المسند (٣/ ٤٥٦ - ٤٥٩).
(٢) انظر: "زاد المعاد" (٣/ ٥٩٢)، وكتابي: السيرة النبوية (٣/ ١٥٥٠ - ١٥٥٣) لتفصيل البحث.

<<  <  ج: ص:  >  >>