للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تخلفهم خلاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهم ممن عذره الله بالتخلف.

٥ - قيل: بل المعنى: لا ينبغي للمسلمين أن ينفروا جميعًا ونبي الله قاعد، فإذا غزا بنفسه - صلى الله عليه وسلم - لم يحل لأحد التخلف إلا بعذر.

قال الضحاك: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا غزا بنفسه لم يحل لأحد من المسلمين أن يتخلف عنه، إلا أهل العذر. وكان إذا أقام فأسرت السرايا لم يَحِلّ لهم أن ينطلقوا إلا بإذنه، فكان الرجل إذا أسرى فنزل بعده قرآن وتلاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه القاعدين معه، فإذا رجعت السرية قال لهم الذين أقاموا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله أنزل بعدكم على نبيّه قرآنًا. فَيُقرئُونهم ويفقهونهم في الدين، وهو قوله: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً}، يقول: إذا أقام رسول الله {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ}، يعني بذلك: أنه لا ينبغي للمسلمين أن ينفروا جميعًا ونبي الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد، ولكن إذا قعد نبي الله تَسَرّت السرايا، وقعد معه عظْمُ الناس).

٦ - قال الحسن البصري: (ليتفقه الذين خرجوا بما يريهم الله من الظهور على المشركين والنصرة، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم).

قلت: والراجح في معنى الآية أنه لولا نفر للجهاد من كل فرقة طائفة، لتتفقه القاعدةُ وتنذر النافرةَ للجهاد عند رجوعهم إليهم فيخبرونهم بما نزل بعدهم من الوحي. فإن النفير في لغة العرب إنما يستعمل للخروج للجهاد لا لطلب العلم.

والمقصود: أهمية انصراف جموع المؤمنين لطلب العلم والتفقه في الدين ودعوة الخلق إلى إقامة منهاج الإسلام في حياتهم، وإنما يكتفى للجهاد بنفير فئة يقوم بها أمر مجاهدة الأعداء.

وأكثر من حَلّق في آفاق هذا المعنى بتحليل لطيف الإمام ابن القيم رحمه الله، فلنستمع إلى روائع التأويل في ذلك.

قال ابن القيم في "أعلام الموقعين" (٢/ ١٧٨ - ١٧٩): (قولكم: "وقد قال تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}.

فأوجب قبول نذارتهم، وذلك تقليد لهم".

جوابه من وجوه:

أحدها: أن الله سبحانه إنما أوجب عليهم قبول ما أنذروهم به من الوحي الذي ينزل

<<  <  ج: ص:  >  >>