وقال القرطبي:(يعني أنهم استقصروا طول مقامهم في القبور لهول ما يرون من البعث، دليله قولهم:{لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}[الكهف: ١٩]. وقيل: إنما قصرت مُدّة لبثهم في الدنيا من هول ما استقبلوا لا مدة كونهم في القبر). قلت: وصرفها إلى مدة لبثهم في الدنيا أرجَح.
وقوله تعالى:{يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} - فيه أقوال متكاملة:
١ - قال ابن جرير:(يقول تعالى ذكره: ويوم نحشر هؤلاء المشركين فنجمعهم في موقف الحساب، كأنهم كانوا قبل ذلك لم يلبثوا إلا ساعة من نهار يتعارفون فيما بينهم، ثم انقطعت المعرفة، وانقضت تلك الساعة).
٢ - وقال ابن كثير:(وقوله: {يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} أي: يعرفُ الأبناءُ والآباءُ والقراباتُ بعضهم بعضًا، كما كانوا في الدنيا، ولكن كُلٌّ مشغولٌ بنفسه، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ}[المؤمنون: ١٠١]، وقال تعالى: {وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (١٠) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤) كَلَّا} [المعارج: ١٠ - ١٥]).
٣ - وقيل: وهذا التعارف تعارف توبيخ وافتضاح، ويقول بعضهم لبعض: أنت أضللتني وأغويتني وحملتني على الكفر، وليس تعارف شفقة ورأفة وعطف. ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا أهوال يوم القيامة كما قال:{وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا}[المعارج: ١٠]. وقيل: يبقى تعارف التوبيخ، قال القرطبي: (وهو الصحيح لقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ} - إلى قوله -: {وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا}[سبأ: ٣٣]. وقوله:{كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا}[الأعراف: ٣٨]، وقوله: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا