للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (١١٧)}.

في هذه الآيات: إِثْباتُ الله تعالى نجاة القلة المؤمنة التي كانت تنهى عن الفساد في الأرض فيما مضى، ليكون ذلك توجيهًا لهذه الأمة لحمل الأمانة بصدق، فإن الظالمين في متاع قليل ينتهي باستئصالهم. وتقريرٌ من الله تعالى أنه لا يهلك قرية إلا وأهلها ظالمون.

فقوله: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ}.

أي: فهلّا كان من تلك الأمم الماضية التي دكَّها الله بسبب عتوها وبغيها وكفرها فئة مؤمنة تنهى عن الفساد في الأرض وتأمر بالمعروف! إنه كان قلة من أهل الخير والأمر بالمعروف والنهي عن الشرور والمنكرات في كل قوم مما مضى، وأولئك هم الذين نجاهم الله برحمته من العذاب الذي نزل بقومهم.

قال ابن زيد: ({إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ}: فإذا هم الذين نجوا حين نزل عذاب الله). وقال ابن جريج: (يستقلّهم الله من كل قوم).

وهذا توجيه قوي لهذه الأمة أن تحمل الأمانة بقوة ولا تتهاون مع انتشار المنكر والآثام، لئلا ينزل بها ما نزل بالأمم قبلها حين فشت فيها الموبقات والمعاصي والفواحش.

قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: ١٠٤].

وقد حفلت السنة الصحيحة بأحاديث كثيرة في آفاق هذا المعنى، منها:

الحديث الأول: أخرج أبو داود بسند صحيح عن قيس، قال: [قال أبو بكر، بعد أن حمد الله وأثنى عليه: يا أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية، وتضعونها على غير موضعها: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: ١٠٥]، وإنا سمعنا النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعُمَّهم الله بعقاب". وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من قومٍ يُعْمَلُ فيهم بالمعاصي، ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>