للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ}. وَصْفٌ لطبيعة الكثرة من الناس، فالغالب من بني آدم على الشك واتباع الشهوات، كما قال جل ثناؤه: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: ١٣]. وكقوله سبحانه: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: ١٠٣].

قال ابن كثير: ({وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} - أي: مع هذا البيان والجلاء والوضوح لا يؤمن أكثرُهم لما فيهم من الشّقاق والعناد والنفاق).

وقوله: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}.

قال قتادة: (رفعها بغير عمد). والآية خبر من الله تعالى عن عظيم قدرته وكمال سلطانه، وأن السماوات قامت بأمره وبإذنه دون أعمدة.

وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} - أي علا وارتفع سبحانه كما يليق بجلاله، وهو غير محتاج إلى العرش ولا إلى الكرسي، وإنما وصف العرش في القرآن كثيرًا لأنه أعظم مخلوقاته. قال ابن جرير: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}، فإنه يعني: علا عليه).

أخرج محمد بن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة] (١).

وأخرج ابن خزيمة في "التوحيد"، وعبد الله بن أحمد في "السنة"، بسند صحيح عن ابن عباس قال: [الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر أحد قدره] (٢).

وقوله: " {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} ". قال القاسمي: (أي لغاية معينة ينقطع دونها سيره، وهو قيام الساعة). وقيل: المراد إلى مستقرهما تحت العرش.

قلت: ويُجمع بين التفسيرين، بأن الله تعالى أجرى الشمس والقمر في السماء وسخّرهما لمصالح خلقه، ليعلموا عدد السنين والحساب، ويفصلوا به بين الليل والنهار، ولكل منازل، وكذلك بقية الكواكب، وإنما ذكر الشمس والقمر لأنهما أظهر


(١) حديث صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "كتاب العرش" (١١٤/ ١)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص (٢٩٠). وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (١٠٩).
(٢) صحيح موقوف. انظر مختصر العلو ص (١٠٢)، وكتابي: أصل الدين والإيمان (٢/ ١١٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>