قلت: فالظلمة هي ظلمةُ الطباع والجهل والأهواء والخضوع للغرائز والشهوات.
والنور: هو نور الوحي ونور السنة، نور النبوة والرسالات. نور الفطرة والميثاق مع الله، الذي أخذه سبحانهُ على عباده بِنَعْمانَ وهو واد إلى جنب عرفات.
الحديث الثالث: أخرج الإمام أحمد بسند حسن عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [أخذ اللهُ تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم بِنَعمان - يعني عرفة - (وفي رواية: يوم عرفة). فأخرج من صُلْبِهِ كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديهِ كالذر ثم كلمهم قُبُلًا قال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}] (١).
ووَحَّد سبحانه لفظ النور، وجمع الظلمات، لأن الحق واحد والكفر أجناس كثيرة، كما قال تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام: ١٥٣]، وقال تعالى:{عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ}[النحل: ٤٨]، مما يدل على شرف النور وتفرد الحق، وانتشار الباطل وتشعبه.
إشارة إلى المشيئة الإذنية: وهي المشيئة المرتبطة بعلم الله وعدله وحكمته، فما أحد اختار الإيمان رغم مشيئة الله، ولا أحد اختار الكفر رغم مشيئة الله، بل الكل داخل في اختيارهِ تحت مشيئتهِ سبحانه.