للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: [يقول الله تبارك وتعالى لأهون أهل النار عذابًا: لو كانت لك الدنيا وما فيها، أكنتَ مُفتديًا بها؟ فيقول: نعم، فيقول: قد أرَدْتُ مِنْكَ أهونَ من هذا وأنت في صُلْبِ آدم: أن لا تشرك ولا أدخلك النار، فأبيت إلا الشرك] (١).

وفي لفظ: [فيقال له: كذبتَ، وقد سُئِلت ما هو أيسرُ من ذلك].

وفي رواية: فيؤمر به إلى النار).

وقوله: "كَذَبْتَ". قال النووي: (معناهُ لو رددناكَ إلى الدنيا لما افتديت لأنك سئلت أيسر من ذلك، فأبيت، فيكون من معنى قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}، وبهذا يجتمعُ معنى هذا الحديث مع قوله تعالى: {لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ}).

الحديث الثاني: أخرج الإمام الترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة، وعن أبي سعيد قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[يؤتى بالعَبْدِ يَوْمَ القِيامةِ فيقولُ لهُ: ألمْ أَجعَلْ لكَ سَمْعًا وبصرًا ومالًا وولدًا، وسخَّرت لك الأنعام والحرث، وتَرَكْتُكَ تَرْأَسُ وتَرْبَعُ، فكنْتَ تَظُنُّ أَنَّكَ مُلاقِيَّ يَوْمَكَ هذا؟ فيقول: لا. فيقول: اليومَ أَنْساكَ كَمَا نَسيتني] (٢).

قال أبو عيسى: (ومعنى قوله: "اليوم أنساكَ كما نسيتني": اليوم أتركك في العذاب، وكذا فسّر بعض أهل العلم هذه الآية: {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ} [الأعراف: ٥١]. قالوا: معناه اليوم نتركهم في العذاب).

وقوله تعالى: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ}.

قال ابن زيد: (سكنوا في قراهم مدين والحجر والقرى التي عذّب الله أهلها، وتبيَّن لكم كيف فعل الله بهم، وضرب لهم الأمثال). وقال مجاهد: ({الْأَمْثَالَ}: الأشباه).

قال القاسمي: ({وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} كعاد وثمود {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} أي بما تشاهدونه في منازلهم من آثار ما نزل بهم


(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٨٠٥)، كتاب صفات المنافقين، باب طلب الكفار الفداء بملء الأرض ذهبًا. ورواه البخاري (٢/ ٣٣٣)، (٤/ ٢٣٩ - ٢٤٢)، وأخرجه أحمد (٣/ ١٢٧ - ١٢٩).
(٢) حديث صحيح. أخرجه الترمذي في السنن - حديث رقم - (٢٥٥٨)، أبواب صفة القيامة. انظر صحيح سنن الترمذي (١٩٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>