وقوله: {قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ}.
قال ابن كثير: (فإذا توجّهت عليهم الحجة، وقامت عليهم الدلالة، وحقت عليهم الكلمة، وأُسكِتُوا عن الاعتذار حين لا فرار {قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} وهم السادة في الدنيا والآخرة، والمُخبرون عن الحق في الدنيا والآخرة، فيقولون حينئذ: {إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ}، أي: الفضيحة والعذاب اليوم محيط بمن كفر بالله، وأشرك به ما لا يضرّه ولا ينفعه).
وقوله: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ}.
إِخْبَارٌ عن حال المشركين الظالمي أنفسهم في هيئتهم عند الاحتضار، ونزول ملائكة الجبار، لقبض أرواح هؤلاء الأشرار الفجار. {فَأَلْقَوُا السَّلَمَ} أي أظهروا الاستسلام، والسمع والطاعة والانقياد، وهم يقولون: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} - قال القرطبي: (أي من شرك). وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: ٢٣].
٢ - وقال تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} [المجادلة: ١٨].
وفي صحيح مسلم عن أنس قال: [كنّا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضحك، فقال: هل تدرون مِمَّ أضحك؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: من مُخاطبة العبد ربَّه يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ فيقول: بلى. فيقول: إني لا أجيز على نفسي إلا شاهدًا مني، فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا، وبالكرام الكاتبين شهودًا، فَيُخْتَمُ على فيه، ويُقَال لأركانه انْطقي، فتَنطِقُ بأعماله، ثم يُخَلّى بينه وبين الكلام، فيقول: بعدًا لَكُنَّ وسحقًا فعنكن كنت أناضل] (١).
وقوله: {بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}. أي: إن الله ذو علم بما كنتم عليه من المكر بدين الله والمؤمنين، والصد عن سبيل الله القويم، تبغونها عِوَجًا وفسادًا في الأرض.
وقوله تعالى: {فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}.
قال القرطبي: (أي يقال لهم ذلك عند الموت. وقيل: هو بشارة لهم بعذاب القبر، إذ هو باب من أبواب جهنم للكافرين). وقال ابن كثير: ({فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}
(١) حديث صحيح. رواه مسلم (٨/ ٢١٧). وانظر مختصر صحيح مسلم - حديث رقم - (١٩٣٣).