الحديث الرابع: أخرج أبو داود بسند صحيح عن أم سلمة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بقصة جيش الخسف - قالت: قلت: يا رسول الله، فكيف بمن كان كارهًا؟ قال:[يُخْسَف بهم، ولكن يُبْعث يوم القيامة على نيته](١).
قال النووي في "شرح صحيح مسلم": (وفيه من الفقه التباعد من أهل الظلم والتحذير من مجالستهم ومجالسة البغاة ونحوهم من المبطلين لئلا ينالهم ما يعاقبون به. قال: وفيه أنّ مَنْ كثَّرَ سواد قوم جرى عليهم حكمهم في ظاهر عقوبات الدنيا).
وقوله:{وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}. قال القاسمي:(أي وقت تقتضيه الحكمة. يستغفر منهم من يستغفر فيغفر له، ويصرّ من يصرّ فيزداد عذابًا).
وقوله:{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}. قال الزهري:(نرى أنه إذا حضر أجله فلا يؤخر ساعة، ولا يقدّم، ما لم يحضر أجله، فإن الله يؤخر ما شاء، ويُقدِّمُ ما شاء). وقال ابن جرير:({فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} يقول: فإذا جاء الوقت الذي وُقِّتَ لهلاكهم {لَا يَسْتَأْخِرُونَ} عن الهلاك ساعة فيمهلون {وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} له حتى يستوفوا آجالهم).
وقوله:{وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى}. أي: ويجعلون لله البنات وتقول ألسنتهم الكذب: أن لهم الذكور من الأولاد. قال مجاهد:(قول قريش: لنا البنون، ولله البنات). وقال قتادة:(أي يتكلمون بأن لهم الحُسنى: أي الغلمان). وقوله:{لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ}. أي: حقًا لهم النار، وأنهم متروكون فيها منسيون لقاء تفريطهم واستهتارهم. قال ابن عباس:({لَا جَرَمَ} يقول: بلى). وقال ابن كثير:({لَا جَرَمَ}، أي: حقًا لا بد منه {أَنَّ لَهُمُ النَّارَ}، أي: يوم القيامة).
وفي قوله:{مُفْرَطُونَ} أكثر من تأويل متقارب:
١ - قال سعيد بن جبير:({وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} قال: منسيون مُضَيَّعُون). أو قال:(متروكون في النار، منسيون فيها). وقال مجاهد:(مَنْسيون). وقال قتادة:(مُضاعون).
(١) حديث صحيح. أخرجه أبو داود (٤٢٨٩) - كتاب المهدي، وانظر صحيح مسلم (٢٨٨٢)، ومسند أحمد (٦/ ٢٩٠)، وصحيح ابن حبان (٦٧٥٦) - من حديث أم سلمة.