للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسقاه عسلًا، ثم جاء فقال: يا رسول الله، سَقَيْتُهُ عسلًا فما زادَهُ إلا استطلاقًا! قال: اذهب فاسقه عسلًا. فذهب فسقاه، ثم جاء فقال: يا رسول الله، ما زاده إلا استطلاقًا! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صدقَ اللهُ وكَذَبَ بطنُ أخيك! اذْهَبْ فاسقه عسلًا. فذهب فسقاه فَبَرَأ] (١).

قال بعضُ العلماء بالطب: (كان هذا الرجل عنده فضلاتٌ، فلما سقاه عَسَلًا وهو حارٌّ تحلّلت، فأسرعَت في الاندفاع، فزاد إسهالُه، فاعتقد الأعرابي أن هذا مضرَّةٌ، وهو مَصْلَحة لأخيه، ثم سقاه فازداد التحليلُ والدفعُ، ثم سقاه فكذلك، فلما اندفعت الفضلات الفاسدةُ المضرَّة بالبدن استمسك بطنه، وصَلحَ مزاجه، واندفعت الأسقامُ والآلام ببركة إشارته، عليه من ربِّه أفضلُ الصلاة والسلام) (٢).

وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. قال القاسمي: (أي: فيعتبرون ويستدلون على وحدانيته سبحانه، وانفراده بألوهيته. وأنه هو الذي ألهم هذه الدواب الضعيفة فعلمت مساقط الأنداء، من وراء البيداء، فتقع على كل حرارة عبقة، وزهرة أنقة، ثم تصدر عنها بما تحفظه رضابا (٣)، وتلفظه شرابًا).

٧٠ - ٧٢. قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٧٠) وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٧١) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢)}.

في هذه الآيات: إثبات الخلق والحياة والتصرف في العمر لله العليم القدير. وكذلك


(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٥٧١٦)، ومسلم (٢٢١٧)، والترمذي (٢٠٨٣)، وأحمد (٣/ ١٩) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٢) ذكره الحافظ ابن كثير في "التفسير" - انظر تفسير سورة النحل - آية (٦٩). قلت: وقوله - صلى الله عليه وسلم - "صدق الله وكذب بطن أخيك" يشير إلى التفسير السابق للآية: أن المقصود من قوله: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} العسل، ومن ذهب إلى أنه القرآن فلا مناسبة في الآيات لذلك.
(٣) الرُّضَاب: بالضم هو الريق. والرَّاضِبُ: ضَرْبٌ من السِّدْر والسَّحُ من المطر. كذا في القاموس.

<<  <  ج: ص:  >  >>