الحديث الثالث: أخرج الترمذي في جامعه بسند صحيح: [أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية على عدي بن حاتم:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}[التوبة: ٣١]. فقال: يا رسول الله، لسنا نعبدهم! قال: أليس يُحلِّون لكم ما حرّم الله فتحلّونه، ويحرِّمون ما أحل الله فتحرّمونه؟ قال: بلى. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فتلك عبادتهم] (١).
في هذه الآيات: استحقاق اليهود التضييق من الله عليهم بما كسبت أيديهم، وفتحه - تعالى - باب التوبة والإنابة للراجعين إليه الراجين رحمته ليعفو عنهم ويتوب عليهم، والله غفور رحيم.
وقوله:{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}. أي: إنما استحقوا ذلك التضييق بما كسبت أيديهم، فإن الله لا يظلم أحدًا من خلقه، كما قال تعالى:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا}[النساء: ١٦٠].
أي: وأما الذين عصوا الله فجهلوا وركبوا المعصية والآثام، وما يسخط الرحمن، ثم راجعوا طاعة الله وندموا على ما فاتهم واستغفروا وتابوا، وأصلحوا فباشروا عمل
(١) حديث صحيح. رواه الترمذي (٣٠٩٤) - في التفسير، ويتقوى بما أخرجه الطبري (١٦٦٣٤) عن حذيفة مرفوعًا. وانظر: "فتح المجيد" (١٠٧)، وكذلك كتابي: أصل الدين والإيمان (١/ ٤٤٧) - لتفصيل مفهوم النهي عن التحاكم لغير الله.