في هذه الآيات: ثناء الله تعالى على خليله إبراهيم، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فقد كان حنيفًا قانتًا لله ولم يك من المشركين، بل كان على هدى الله المستقيم وإمامًا من الشاكرين، فرفع الله ذكره في الأرض وإنه في الآخرة لمن الصالحين، وأوحى إلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - اتباع ملته وإحياء منهاجه في نبذ الشرك وإحياء أصول هذا الدين.
فقوله:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} - فيه آفاق كثيرة:
فالأمة: هي الجماعة من الناس والقرن منهم، كما أن العرب تطلقها أيضًا على الدين، والطريقة، والشرعة، والجماعة أرسل إليهم رسول، ومن هو على الحق مخالف لسائر الأديان.
وأمُّ كل شيء أصله، ومنه سميت مكة أم القرى لأنها توسطت الأرض. قال ابن منظور في "لسان العرب": (والأمة الرجل الذي لا نظير له، ومنه قوله عز وجل:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا}). وقال القرطبي:(والأمة الجماعة، وتكون واحدًا إذا كان يقتدى به في الخير، ومنه قوله تعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ}).
والقانت: هو الخاشع المطيع، ومنه قول ابن مسعود رضي الله عنه:(الأمة: معلم الخير، والقانت: المطيع لله ورسوله).
وقال الشَّعبي: حدثني فروَةُ بن نوفل الأشجعي قال: (قال ابنُ مسعود: إن مُعاذًا كان أمةً قانتًا لله حنيفًا. فقلت في نفسي: غَلِط أبو عبد الرحمن، إنما قال الله {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} فقال: تَدْري ما الأمة؟ وما القانت؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: