في هذه الآيات: عَطْفُ الله تعالى بذكر موسى عليه الصلاة والسلام بعد ذكر محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد آتاه الله التوراة - كما آتى نَبيّنا القرآن - وجعلها تعالى هدى لبني إسرائيل لئلا يتخذوا من دون الله نصيرًا ولا معبودًا. وحثٌّ وتنبيه للذرية على المِنّة في نجاة أبيهم نوح ومن آمن معه ليتشبهوا بهم. وحكم الله على بني إسرائيل في عواقب إفسادهم في الأرض وعواقب إحسانهم، وتتابع سنن الله في ذلك، وقد جعل الله في الآخرة جهنم سجنًا للكافرين المفسدين.
فقوله:{وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}. قال قتادة:(جعله الله لهم هدى، يخرجهم من الظلمات إلى النور، وجعله رحمة لهم). والآية: عطف بذكر موسى عليه الصلاة والسلام، بعد ذكر محمد - صلى الله عليه وسلم - عبد الله ورسوله وكليمه، وكثيرًا ما يقرن الله بين ذكر موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وكلاهما كلمه الله، وآتى موسى التوراة، كما آتى محمدًا القرآن، وأمتهما يوم القيامة أكبر الأمم.
وقوله:{أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا}. قال مجاهد:(شريكًا). وقال ابن جرير:(ومعنى الكلام: وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا حفيظًا لكم سواي). ثم فسّر قول مجاهد فقال:(وكأن مجاهدًا جعل إقامة من أقام شيئًا سوى الله مقامه شريكًا منه له، ووكيلًا للذي أقامه مقام الله).
والخلاصة في المعنى: يقول: لئلا تتخذوا وليًا من دوني ولا نصيرًا ولا معبودًا، بل الله وحده هو الوكيل والنصير والمعبود لا شريك له.
وقوله تعالى:{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}. قال قتادة:(والناس كلهم ذرية من أنجى الله في تلك السفينة. وذُكر لنا أنه ما نجا فيها يومئذ غير نوح وثلاثة بنين له، وامرأته وثلاث نسوة، وهم: سام، وحام، ويافث، فأما سام: فأبو العرب، وأما حام: فأبو الحبش. وأما يافث: فأبو الروم). وقال مجاهد:(بنوه ونساؤهم ونوح، ولم تكن امرأته) - والله تعالى أعلم.
قال ابن كثير: (تقديره: يا ذُرِّية من حملنا مع نوح. فيه تهييجٌ وتَنْبيهٌ على المِنَّة،