ما نطقَ به الاعترافُ بعبوديتهِ لله تعالى وربوبيته، ردًّا على من غلا من بعده في شأنه).
وقوله: {آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}. الكتاب: الإنجيل، قال عكرمة: (أي: قضى أن يؤتيني الكتاب فيما قضى).
والآية كما قال ابن كثير: (تبرئة لأمِّهِ مما نسبت إليه من الفاحشة).
والمقصود: أن اللهَ تباركَ وتعالى كتبه نبيًّا قبل أن يخلقهُ، وقضى بإنزالِ الإنجيل عليه يوم يقوم بمنهاج النبوة ودعوة الخلق إلى توحيد الله العظيم.
وقوله: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ}. أي: بشرف العلم والدعوةِ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنفع في وجوه الخير. قال مجاهد وسفيان: (معلمًا للخير حيثما كنت).
وقال مجاهد: (نفّاعًا). وذكر ابن جرير بسنده عن وُهيب بن الورد مولى بني مخزوم، قال: (لقي عالم عالمًا لما هو فوقه في العلم، فقال له: يرحمكَ الله، ما الذي أعلن من علمي؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه دين الله الذي بعث به أنبياءه إلى عباده، وقد اجتمع الفقهاء على قول الله: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} وقيل: ما بركته؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أينما كان).
وقوله: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا}.
قال ابن جرير: (يقول: وقضى أن يوصيني بالصلاة والزكاة، يعني المحافظة على حدود الصلاة وإقامتها على ما فرضَها عليَّ. وفي الزكاة معنيان: أحدهما: زكاة الأموال أن يؤديها. والآخر: تطهير الجسد من دنس الذنوب، فيكون معناه: وأوصاني بترك الذنوب واجتناب المعاصي).
والآية شبيهة بوصية الله تعالى لخاتم الرسل محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}. وكذلكَ أوصى عيسى عليه الصلاة والسلام بإقامة الدين: وعنوان ذلكَ الصلاة والزكاة، ما دام حيًّا.
وقوله: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي}. أي: وكذلكَ أمرني ببر والدتي. وقد ورد ذلكَ القِران كثيرًا في القرآن الكريم، فإن طاعة الله يعقبها بر الوالدين وصلة الرحم، ومن ذلك:
١ - قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: ٢٣].
٢ - وقوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: ١٤].