في هذه الآيات: حثُّ الله نبيّه على ترك النظر إلى المترفين أهل الاستكبار، فما هم فيه من متاع الحياة الدنيا صائر إلى الزوال، وإنما هم في امتحان واختبار. وأمرُه له تعالى باستنقاذ أهله من النار، بإقام الصلاة والصبر على ذلك، ورزق الله مقسوم والعاقبة للمتقين.
فقوله:{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ}. قال مجاهد:(يعني الأغنياء، فقد آتاك الله خيرًا مما آتاهم). وعن أبي رافع:(يعني بقوله: {أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} رجالًا منهم أشكالًا). قال القاسمي:({أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} أي أصنافًا من الكفرة). وقال ابن كثير:(يقول تعالى لنبيه محمد - صلوات الله وسلامُه عليه -: لا تنظر إلى ما متَّعنا به هؤلاء المترفين وأشباههم ونُظراءهم، وما هم فيه من النعيم، فإنما هو زهرة زائلة، ونِعمةٌ حائِلة، لِنَختبرهم بذلك، وقليل من عبادي الشكور).
وقوله:{زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}. أي زينتها. وهو منصوب على أنه بدل من {أَزْوَاجًا} أو نُصب بـ {مَتَّعْنَا} على تضمينه معنى: أعطينا وخوّلنا.
وقوله:{لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}. قال قتادة:(لنبتليهم فيه).
وقوله:{وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}. أي مما متعنا به هؤلاء في هذه الدنيا.
قال ابن جرير:({وَرِزْقُ رَبِّكَ} الذي وعدك أن يرزقكه في الآخرة حتى ترضى، وهو ثوابه إياه {خَيْرٌ} لك مما متعناهم به من زهرة الحياة الدنيا. {وَأَبْقَى} يقول: وأدوم، لأنه لا انقطاع له ولا نفاد).
قلت: والآية وإن كانت خطابًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنها منهاجُ حياة لكل مسلم، لئلا يغتر بما فَتن الله به الطغاة في الأرض وهم يعيثون فيها فسادًا ويحاربون دينه وأولياءه. بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - خشي على هذه الأمة من زهرة الدنيا وزينتها وما يفتح عليهم فيها من ذلك. فإلى ذكر بعض هذه الأحاديث من سنته العطرة:
الحديث الأول: أخرج البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلس ذات يوم على المِنْبَر، وجَلَسْنا حَوْلَهُ فقال: [إنّ مما أخافُ عليكم