سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلًا صالحًا ولكن احتملته الحمية، فقال: كذبت لعمرو الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك. فقام أسيد بن الحضير فقال: كذبت لعمرو الله والله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين.
فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، فنزل وخفضهم حتى سكتوا وسكت، وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم فأصبح عندي أبواي وقد بكيت ليلتي ويومًا حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي. قال: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي، فبينما نحن كذلك إذ دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس ولم يجلس عندي من يوم قيل فِيَّ ما قيل قبلها، وقد مكث شهرًا لا يوحى إليه في شأني شيء.
قالت: فتشهد ثم قال: يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه. فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته قلص دمعي حتى ما أُحسُّ منه قطرة، وقلت لأبي: أجب عني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! قال: والله وما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قال قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ . قالت: وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا من القرآن، فقلت: إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس ووقر في أنفسكم وصدقتم به، ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لَتُصَدِّقُنِّي، والله ما أجد لي ولكم مثلًا إلا أبا يوسف إذ قال:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}[يوسف: ١٨]. ثم تحولت على فراشي وأنا أرجو أن يبرئني الله، ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحيًا، ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم رؤيا يبرئني الله، فوالله ما رام مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيمت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى أنه ليتحدر مثل الجمان من العرق في يوم شات، فلما سري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي: يا عائشة احمدي الله فقد برأك الله. فقالت أمي: قومي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقلت: لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله. فأنزل الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} - الآياتِ - فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر رضي الله عنه، وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه: والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد ما قاله لعائشة،