للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}. أمْرٌ من الله تعالى لمن لا يستطيع نكاحًا بلزوم التعفُّفِ والابتعاد عن الحرام حتى يأتي الله بالفرج والسعة.

قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: ٤].

وفي الصحيحين والمسند والسنن عن علقمة بن قيس قال: [كنت مع عبد الله بن مسعود بمنى. فخلا به عثمان. فجلست قريبًا منه. فقال له عثمان: هل لك أن أزوجك جارية بكرًا تذكرك من نفسك بعض ما قد مضى؟ فلما رأى عبد الله أنه ليس له حاجة سوى هذا، أشار إلي بيده. فجئت وهو يقول: لئن قلت ذلك، لقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [يا معشر الشباب! مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج. فإنه أَغَضُّ للبصَرِ وأحْصَنُ للفرْجِ. ومن لم يَسْتَطِعْ، فعليه بالصَّوم، فإنه له وجاء] (١).

وقوله: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}. أمْرٌ من الله تعالى للسادة بمعاونة عبيدهم إن أرادوا المكاتبة للخروج من حال الرِّق. واشترط أهل العلم أن يكون للعبد كسب يكفيه للوفاء.

ومفهوم المكاتبة: أن يكاتِبَ الرجل عبده على مال يؤديه مُنجَّمًا عليه، فإذا أدّاه فهو حُرّ. ويجوز حالًا كما يجوز منجمًا ومؤجلًا لإطلاق الأمر. واختلف العلماء هل الأمر هنا للوجوب أم للاستحباب على قولين:

القول الأول: الوجوب. وهو قول الشافعي في القديم، ومذهب ابن جرير شيخ المفسرين.

قال البخاري: (وقال رَوْحٌ، عن ابن جريجٍ، قلتُ لعطاء: أواجبٌ عليَّ إذا علمتُ له مالًا أن أكاتِبَهُ؟ قال: ما أراه إلا واجبا. وقال عمرو بن دينار: قلت لعطاء: أَتأثُرُه عن أحد؟ قال: لا. ثم أخبرني أن موسى بن أنس أخبرَه أن سِيرينَ سألَ أنسًا المُكاتَبَةَ، وكان كثير المال فأبى، فانطلق إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: كاتِبْه. فأبى، فضربَهُ بالدُّرة، ويتلو عمر - رضي الله عنه -: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}. فكاتبه) - ذكره البخاري تعليقًا.

وله شاهد عند ابن جرير بسند صحيح عن قتادة، عن أنس بن مالك: (أن سيرين


(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (١٩٠٥)، ومسلم (١٤٠٠)، وابن ماجة (١٨٤٥)، واللفظ له، وأبو داود (٢٠٤٦)، والترمذي (١٠٨١)، والنسائي (٦/ ٥٧)، وأحمد (١/ ٣٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>