وعن الحسن البصري قال:(قد - والله - رأينا أوديتهم التي يهيمون فيها، مَرَّةً في شَتْمةِ فلان، ومرة في مِدْحة فُلان).
قال النسفي:({يَهِيمُونَ} خبر أن، أي: في كل فن من الكذب يتحدثون، أو في كل لغو وباطل يخوضون، والهائم الذاهب على وجهه لا مقصد له، وهو تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول واعتسافهم حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة، وأبخلهم على حاتم).
قال ابن عباس:(أكثر قولهم يَكْذِبون فيه). قال:(وعنى بذلك شعراء المشركين).
قال ابن كثير:(فإن الشعراء يَتَبَجَّحُون بأقوال وأفعال لم تصدُر منهم، ولا عنهم، فيتكثَّرون بما ليس لهم).
قلت: وطربُ العامة ببعض هؤلاء الشعراء يدفع شعراء الجاهلية - هؤلاء - إلى تسويق أي شيء لسدّ الفراغ ولو على حساب الاستهزاء بالحق وثوابت الدين: كسؤال الملكين في القبر وأمر الموت والحساب والجنة والنار وأمر الملائكة والرسل وغير ذلك، فتراهم مدفوعين إلى التجاوزات والمبالغات بتشجيع أولئك السفهاء لهم ليحق قول الله فيهم: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ}.
ومما يُذكر في هذا الجانب عن الفرزدق، أن سليمان بن عبد الملك سمع قوله:
فبتن بجانبيّ مصرعات ... وبت أفض أغلاق الختام
فقال: وجب عليك الحد. فقال: قد درأ الله عني الحد بقوله: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} حيث وصفهم بالكذب والخلف في الوعد.
استثناء لشعراء الإِسلام الأبطال، كعبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت، وكعب بن زهير، وكعب بن مالك - رضي الله عنهم -، ومن مضى على منهاجهم في الشعر المتألق، الذي سخروه لنصرة هذا الدين، ومدح الله العظيم، ورسوله الكريم، والذب عن عرض المسلمين.