في هذه الآيات: ضَرْبُ الله الأمثلة للناس في هذا القرآن لينتفعوا بها ولكن الذين كفروا عن الحق معرضون، كذلك يختم الله على قلوب الذين لا يعلمون، فاصبر -يا محمد- واثبت على الصراط ولا يَسْتَفِزَّنَكَ عن دينك الذين لا يوقنون.
فقوله:{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ}. قال القرطبي:(أي من كل مَثَل يدلُّهم على ما يحتاجون إليه، وينبههم على التوحيد وصدق الرسل).
وقوله:{وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ}. قال ابن كثير:(أي: لو رأَوا أيَّ آيةٍ كانت، سَواءٌ كانت باقتراحهم أو غيره، لا يؤمنون بها، ويعتقدون أنها سِحْرٌ وباطل، كما قالوا في انشقاق القمر ونحوه، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: ٩٦ - ٩٧]).
قال النسفي:(أي مثل ذلك الطبع وهو الختم يطبع الله على قلوب الجهلة الذين علم الله منهم اختيار الضلال حتى يسموا المحقين مبطلين، وهم أعرق خلق الله في تلك الصفة).
وقوله:{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}.
أي: فاصبر -يا محمد- على أذاهم وعداوتهم، واعلم أن وعد الله بنصرك عليهم وإظهار دينك الحق على كل دين وعدٌ حق قادم لابد من إنجازه والوفاء به.
قال القرطبي:(أي لا يستفزنّك عن دينك. والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد أمته، يقال: استخف فلان فلانًا أي استجهله حتى حمله على اتباعه في الغيّ).
وقال القاسمي:{وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ} أي لا يحملنك على الخفة والقلق {الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} أي بما تتلو عليهم من الآيات البينة، بتكذيبهم إياها ومكرهم فيها. فإنه تعالى منجز لك ما وعدك من نصرك عليهم، وجعله العاقبة لك، ولمن اعتصم بما جئت به من المؤمنين).