للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

قال ابن عباس: (يعني بالعذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها، وما يحلُ بأهلها مما يبتلي الله به عباده ليتوبوا إليه).

وفي رواية عنه قال: (يعني به إقامة الحدود عليهم). وعن مجاهد: (يعني به عذاب القبر).

وفي صحيح مسلم عن أبي كعب، في قوله عزَّ وجل: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} قال: [مصائبُ الدنيا، والرُّومُ، والبَطْشَةُ، أو الدُّخان] (١).

وقال عبد الله بن مسعود: (العذاب الأدنى: ما أصابهم من القتل والسَّبي يوم بدر).

قال السدي: (لم يبقَ بيتٌ بمكة إلا دخلهُ الحزنُ على قتيل له أو أسير، فأُصيبوا أو غَرِمُوا، ومنهم مَنْ جُمِعَ له الأمران).

قلت: وبالجمع بين مختلف الأقوال، فإن مصيبات الدنيا وآلامها وأسقامها والحدود والقتل والسبي - الذي ينزل بأهل الحرب - والجوع والقحط كل ذلك من عذاب الله الأدنى دون عذاب الآخرة، وفيه ذكرى لمن أرادَ أن يتوب إلى ربهِ وينجو من العذاب الأكبر.

وقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}.

قال ابن كثير: (أي: لا أظلم ممن ذكَّرَهُ الله بآياتهِ وبيَّنَها له ووضَّحها، ثم بعد ذلكَ تركها وجَحَدَها وأعرضَ عَنْها وتَناساها، كأنه لا يعرفها. قال قتادة - رحمه الله - إياكم والإعراض عن ذكر الله، فإنَّ من أعرض عن ذكرِه فقد اغتَرَّ أكبرَ الغرَّةِ، وأَعْوَرَ أشدَّ العَوْرَةِ، وعَظُمَ مِنْ أعظمِ الذنوب. ولهذا قال متهددًا لمن فعل ذلك: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}، أي: سأنتقم ممن فعل ذلك أشد الانتقام).

وفي التنزيل نحو ذلك:

١ - قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤) {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (١٢٥) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: ١٢٤ - ١٢٦].


(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (٢٧٩٩)، كتاب صفات المنافقين، باب الدخان.

<<  <  ج: ص:  >  >>