النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام: ٢٧]. وكقوله جل ثناؤه: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢)} [السجدة: ١٢].
ثم قال: {مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}. قال مجاهد: (من الآخرة إلى الدنيا).
وقوله: {وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ}. قال قتادة: (أي بالإيمان في الدنيا، {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}. قال: أي يرجمون بالظن يقولون لا بعث ولا جنة ولا نار).
وعن مجاهد: ({وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} قال: قولهم ساحر، بل هو كاهن بل هو شاعر). وقال ابن زيد: ({وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} قال: بالقرآن).
وقوله: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ}. - فيه أقوال:
١ - قال الحسن: (حيل بينهم وبين الإيمان بالله).
٢ - وقال مجاهد: (من الرجوع إلى الدنيا ليتوبوا).
٣ - وقال قتادة: (كان القوم يشتهون طاعة الله أن يكونوا عملوا بها في الدنيا حين عاينوا ما عاينوا).
٤ - وقيل: حيل بينهم وبين ما يشتهون من مال وولد وزهرة الدنيا.
قال مجاهد: (من مال أو ولد أو زهرة).
٥ - وقال ابن زيد: ({وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} في الدنيا التي كانوا فيها والحياة).
قلت: والبيان الإلهي يحتمل كل ما مضى من تأويل، والإعجاز القرآني يقتضيه.
والأشياع: جمع شِيَع. وشِيعَ: جمع شيعة. فأشياع هي جمع الجمع. فيكون المعنى أن الله سبحانه عاقبهم على تكذيبهم للحق في الدنيا وتعظيم نفوسهم وشهواتهم فوقه بأن منعهم من الإيمان عند نزول العذاب، وبان منعهم من أسباب النجاة والسعادة في الآخرة، {كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} من الأمم الكافرة.
فعن ابن أبي نجيح: ({كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} قال: الكفار من قبلهم).
وقال قتادة: (أي في الدنيا كانوا إذا عاينوا العذاب لم يقبل منهم إيمان).
أي: لأنهم كانوا في شك من نزول العذاب فحيل بينهم وبين ما يشتهون في الدنيا