قال قتادة:({فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} هدى ولا ينتفعون به).
وروي عن ابن عباس أنه قرأها:{فَأَغْشَيْنَاهُمْ} بالعين، من العشا: وهو أن يمشي بالليل ولا يبصر. ذكره ابن جرير. كما قال تعالى:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}. من العشا في العين، وهو ضعف بصرها حتى لا تبصر بالليل.
وعن الضحاك:({وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا} أي الدنيا {وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} أي الآخرة، أي عموا عن البعث وعموا عن قبول الشرائع في الدنيا، قال الله تعالى:{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} أي فزينوا لهم في الدنيا ودعوهم إلى التكذيب بالآخرة). وقال السدي:{فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} قال: محمدًا حين ائتمروا على قتله). وقيل:{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا} أي غرورًا بالدنيا. {وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} أي تكذيبًا بالآخرة. وقيل:{مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا} الآخرة {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} الدنيا.
وخلاصة المعنى: شبه الله انتصاب الأعناق بحالة المستكبرين عن الحق، فكأن الأغلال قد وضعت في أيديهم وجمعت إلى أعناقهم، فبقيت رؤوسهم منتصبة وقد غضت أبصارهم، وقد علم الله فساد قلوبهم فجعل الشهوات وحطام الدنيا والغي حاجزًا بينهم وبين الإيمان عقوبة لهم، ثم عموا عن البعث وتمادوا في التكذيب في الآخرة فأمهلهم واستدرجهم عقوبة أخرى، فكان ذلك سدًّا من بين أيديهم وسدًّا من خلفهم فضاع العمر عليهم وهم لا يبصرون طريق النجاة.
هو كقوله في سورة البقرة:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}.
أي لما رأى الله تماديهم في الكذب وتعظيمهم الشهوات فوق الوحي -وهو أمر علمه سبحانه وكتبه في اللوح المحفوظ- عاقبهم على ترك قلوبهم وإهمال معالجتها، وعلى مضيهم في طريق الرياء والكبر، فصار الران على قلوبهم، فلا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا إلا ما أشرب من هواهم، فسواء عليك بعد هذا يا محمد إنذارك وعدمه. وهذه الآية ردّ على القدرية الذين يقولون لا قدر.
وقد ذكر الإمام القرطبي عن ابن شهاب: (أن عمر بن عبد العزيز أحضر غيلانَ القَدَرية فقال: يا غيلان! بلغني أنك تتكلم بالقدر، فقال: يكذبون عليَّ يا أمير