للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن كثير: (أمن أجل أن ذكّرناكم بالحق قابلتمونا بالتهديد والوعيد؟ بل أنتم قوم مسرفون). وقال ابن جرير: (قالوا لهم: ما بكم التطير بنا ولكنكم قوم أهل معاص لله وآثام قد غلبت عليكم الذنوب والآثام).

وخلاصة المعنى: أن الرسل بلغوهم الحق الذي ثقل على نفوسهم، وخافوا منه على مصالحهم ورياساتهم وأهوائهم وشهواتهم، فقابلوهم بالاشمئزاز والتشاؤم والتكذيب والتهديد والوعيد، فكشف لهم الرسل حقيقة الأمر بأنهم لجؤوا إلى التشاؤم بهم ليغطوا حبهم للمعاصي والآثام، وتعلق قلوبهم بالكبر وحب الرياسة والطغيان.

ثم قال جل ثناؤه: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ}.

قال قتادة: (ذكر لنا أن اسمه حبيب، وكان في غار يعبد ربه، فلما سمع بهم أقبل إليهم، قال: لما انتهى إليهم يعني إلى الرسل قال: هل تسألون على هذا من أجر؟ قالوا: لا، فقال عند ذلك: {قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ}). وعن أبي مُجَلِّز قال: (كان صاحب يس حبيب بن مري). وقيل: كان نجارًا. وقيل: قصّارًا.

وقال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن أهل القرية همّوا بقتل رسلهم فجاءهم رجل من أقصى المدينة ساعيًا لينصرهم من قومه: {قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}).

ثم قال: {اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} أي على إبلاغكم رسالة الله. {وَهُمْ مُهْتَدُونَ} فيما يدعونكم إليه من عبادة الله وحده لا شريك له. {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي}: أي ما يمنعني من إخلاص العبادة للذي خلقني وحده لا شريك له. {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أي يوم المعاد ليجزي كلًا بعمله. {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ}: استفهام إنكار وتوبيخ وتقريع. {إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ}. أي هذه الآلهة التي تعبدونها لا يملكون من الأمر شيئًا، فلو أرادني الله تعالى بسوء لا تستطيع هذه الآلهة إنقاذي {إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} أي إن اتخذتها آلهة من دون الله تعالى.

ثم خاطب الرسل بقوله: {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ} الذي أرسلكم {فَاسْمَعُونِ} أي اسمعوا ما أقول لتشهدوا لي بذلك. قال ابن إسحاق: قال ابن مسعود: (خاطب الرسل بأنه مؤمن بالله ربهم. قال: وطِئوه بأرجلهم حتى خرج قُصْبَه من دبره وألقي في بئر وهي

<<  <  ج: ص:  >  >>