تعالى ذكره ابتدأ القسم بنوع من الملائكة وهم الصافون بإجماع من أهل التأويل، فلأن يكون الذي بعده قسمًا بسائر أصنافهم أشبه). فالفاء عاطفة في الصفات.
وقوله: {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} - فيه تفاسير:
التفسير الأول: هم الملائكة. قال مجاهد: ({فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا}: الملائكة). وهو قول ابن عباس وابن مسعود.
التفسير الثاني: أي هو ما يُتلى في القرآن من أخبار الأمم قبلنا. قال قتادة: (ما يُتلى عليكم في القرآن من أخبار الناس والأمم قبلكم).
التفسير الثالث: قيل الأنبياء يتلون الذكر على أممهم فهم التاليات. ذكره الماوردي. والراجح التفسير الأول وهم الملائكة، واختاره ابن كثير وقال: (أي الملائكة يجيئون بالقرآن من عند الله تعالى إلى الناس، كقوله تعالى: {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (٥) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} [المرسلات: ٥ - ٦].
ثم جاء جواب القسم: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ}.
فأقسم سبحانه بالصافات صفًا، بأن معبودكم المستحق عليكم كمال الإخلاص والعبادة واحد لا شريك له، فأفردوه بالطاعة ولا تجعلوا في عبادتكم نصيبًا لغيره.
قال مقاتل: (وذلك أن الكفار بمكة قالوا: أجعل الآلهة إلهًا واحدًا، وكيف يسع هذا الخلق فرد إله! فأقسم الله بهؤلاء تشريفًا).
ثم قال سبحانه يعرفهم بنفسه: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا}.
فهو الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما ولم يشاركه أحد في الخلق، وهو القيّم على جميع ما خلق فلا تصلح العبادة إلا له، فلا تشركوا معه من لا يملك نفعًا ولا ضرًّا، فالكل فقير إليه مفتقر إلى رحمته.
وقوله: {وَرَبُّ الْمَشَارِقِ}. قال ابن جرير: (يقول: ومُدَبِّر مشارق الشمس في الشتاء والصيف ومغاربها، والقيّم على ذلك ومصلحه، وترك ذكر المغارب لدلالة الكلام عليه). وقال ابن كثير: (أي هو المالك المتصرف في الخلق بتسخيره بما فيه من أجرام السماء التي تظهر من المشرق وتغرب من المغرب).
وعن قتادة: ({إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} قال: وقع القسم على هذا إن إلهكم لواحد، {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} قال: مشارق الشمس في الشتاء والصيف).